«أمّا بعد ، فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ، لأنّه بايعني الّذين بايعوا أبا بكر وعمر ...».
ثمّ ختمها بقوله : «فادخل فيما دخل فيه المسلمون». (١)
فالابتداء بالكلام بخلافة الشيخين يعرب عن أنّه في مقام إلزام معاوية الّذي يعتبر البيعة وجهاً شرعياً للخلافة ، ولو لا ذلك لما كان وجه لذكر خلافة الشيخين ، بل لاستدلّ بنفس الشورى. ولو كان الإمام عليّ عليهالسلام يرى أنّ الشورى أساس ومصدر شرعي للخلافة لم يطعن في خلافة الخلفاء الثلاثة قبله وكلماته عليهالسلام في الخطبة الشقشقيّة وغيرها تدلّ على أنّ خلافتهم لم تكن مشروعة. وأنّه عليهالسلام إنّما لم يقم بالمعارضة أو وافقهم في شئون الحكومة في الجملة قياماً بمصالح الإسلام والمسلمين.
إنّ الكلمات المأثورة عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، تدلّ على أنّه صلىاللهعليهوآله كان يعتبر أمر القيادة بعده مسألة إلهيّة وحقّاً خاصّاً لله جلّ جلاله ، فإنّه صلىاللهعليهوآله لمّا دعا بني عامر إلى الإسلام وقد جاءوا في موسم الحج إلى مكّة ، قال رئيسهم : أرأيت أنّ نحن بايعناك على أمرك ، ثمّ أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟
__________________
(١) لاحظ : وقعة صفّين لنصر بن مزاحم (المتوفّى ٢١٢ ه) : ٢٩ ، وقد حذف الرضي في نهج البلاغة من الرسالة ما لا يهمّه ، فإنّ عنايته كانت بالبلاغة فحسب.