يراعي في إبلاغ الحكم حاجة الناس ومقتضيات الظروف الزمنية ، فلا بدّ في إيفاء غرض التشريع على وجه يشمل المواضيع المستجدّة والمسائل المستحدثة أن يستودع أحكام الشريعة من يخلفه ويقوم مقامه.
وأمّا في مجال ردّ الشبهات والتشكيكات وإجابة التساؤلات ، فقد حصل فراغ هائل بعد رحلة النبيّ من هذه الناحية ، فجاءت اليهود والنصارى تترى ، يطرحون الأسئلة ، حول أُصول الإسلام وفروعه ، ولم يكن في وسع الخلفاء آنذاك الإجابة الصحيحة عنها ، كما يشهد بذلك التاريخ الموجود بأيدينا.
وأمّا في جانب صيانة المسلمين عن التفرقة ، والدّين عن الانحراف ، فقد كانت الأُمّة الإسلامية في أشدّ الحاجة إلى من يصون دينها عن التحريف وأبناءها عن الاختلاف ، فإنّ التاريخ يشهد على دخول جماعات عديدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى ومؤبدي المجوس بين المسلمين ، فراحوا يدسّون الأحاديث الإسرائيلية والأساطير النصرانية والخرافات المجوسية بينهم ، ويكفي في ذلك أن يذكر الإنسان ما كابده البخاري من مشاقّ وأسفار في مختلف أقطار الدولة الإسلامية ، وما رواه بعد ذلك ، فإنّه ألفى الأحاديث المتداولة بين المحدّثين في الأقطار الإسلامية ، تربو على ستمائة ألف حديث ، لم يصحّ لديه منها أكثر من أربعة آلاف ، وكذلك كان شأن سائر الّذين جمعوا الأحاديث وكثير من هذه الأحاديث الّتي صحّت عندهم كانت موضع نقد وتمحيص عند غيرهم. (١)
__________________
(١) لاحظ : حياة محمّد ، لمحمّد حسين هيكل : ٤٩ ـ ٥٠.