الأمر الثالث : الدور ممتنع ، وهو عبارة عن كون الشيء موجداً لثان وفي الوقت نفسه يكون الشيء الثاني موجداً لذاك الشيء الأوّل.
وجه امتناعه أنّ مقتضى كون الأوّل علّة للثاني ، تقدّمه عليه وتأخّر الثاني عنه ، ومقتضى كون الثاني علّة للأوّل تقدّم الثاني عليه ، فينتج كون الشيء الواحد ، في حالة واحدة وبالنسبة إلى شيء واحد ، متقدّماً وغير متقدّم ومتأخّراً وغير متأخّر وهذا هو الجمع بين النقيضين.
إنّ امتناع الدور وجداني ولتوضيح الحال نأتي بمثال : إذا اتّفق صديقان على إمضاء وثيقة واشترط كلّ واحد منهما لإمضائها ، إمضاء الآخر فتكون النتيجة توقّف إمضاء كلٍّ على إمضاء الآخر ، وعند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاة إلى يوم القيامة ، وهذا ممّا يدركه الإنسان بالوجدان وراء دركه بالبرهان.
الأمر الرابع : التسلسل محال ، وهو عبارة عن اجتماع سلسلة من العلل والمعاليل الممكنة ، مترتبة غير متناهية ، ويكون الكلّ متَّسماً بوصف الإمكان ، بأن يتوقف (أ) على (ب) و (ب) على (ج) و (ج) على (د) وهكذا من دون أن تنتهي إلى علّة ليست بممكنة ولا معلولة.
والدليل على استحالته أنّ المعلوليّة وصف عامّ لكلّ جزء من أجزاء السلسلة ، فعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه : إذا كانت السلسلة الهائلة معلولة ، فما هي العلّة الّتي أخرجتها من كتم العدم إلى عالم الوجود؟ والمفروض أنّه ليس هناك شيء يكون علّة ولا يكون معلولاً ، والّا يلزم انقطاع السلسلة