أقوى مستمسك لمن يريد التخلّص من الاعتناق بنصّ الغدير ونحوه ، هو أنّه لو كان الأمر كذلك فلما ذا لم تأخذه الصحابة مقياساً بعد النبيّ؟ وليس من الصحيح إجماع الصحابة وجمهور الأُمّة على ردّ ما بلغه النبيّ في ذلك المحتشد العظيم.
والجواب عنه أنّ من رجع إلى تاريخ الصحابة يرى لهذه الأُمور نظائر كثيرة في حياتهم السياسية ، وليكن ترك العمل بحديث الغدير وغيره من نصوص الإمامة من هذا القبيل ، منها «رزيّة يوم الخميس» رواها الشيخان وغيرهما (١) ومنها «سريّة أسامة» (٢) ومنها «صلح الحديبية» واعتراض لفيف من الصحابة (٣) ولسنا بصدد استقصاء مخالفات القوم لنصوص النبيّ وتعليماته ، فإنّ المخالفة لا تقتصر على ما ذكر بل تربو على نيّف وسبعين مورداً ، استقصاها بعض الأعلام. (٤)
وعلى ضوء ذلك لا يكون ترك العمل بحديث الغدير ، من أكثريّة الصحابة دليلاً على عدم تواتره ، أو عدم تماميّة دلالته.
__________________
(١) أخرجه البخاري في غير مورد لاحظ : ج ١ ، باب كتابة العلم ، الحديث ٣ ، وج ٤ / ٧٠ وج ٦ / ١٠ من النسخة المطبوعة سنة ١٣١٤ ه ؛ والإمام أحمد في مسنده : ١ / ٣٥٥.
(٢) طبقات ابن سعد : ٢ / ١٨٩ ـ ١٩٢ ؛ الملل والنحل للشهرستاني : ١ / ٢٣.
(٣) صحيح البخاري : ٢ / ٨١ ، كتاب الشروط ؛ صحيح مسلم : ٥ / ١٧٥ ، باب صلح الحديبية ؛ والطبقات الكبرى لابن سعد : ٢ / ١١٤.
(٤) لاحظ : كتاب النصّ والاجتهاد للسيد الإمام شرف الدين.