إلى أن قال :
وليس ينزل الملكان إلّا على حي ، ولا يسألان إلّا من يفهم المسألة ويعرف معناها ، وهذا يدلّ على أنّ الله تعالى يحيي العبد بعد موته للمسألة ، ويديم حياته لنعيم إن كان يستحقّه ، أو لعذاب إن كان يستحقّه. (١)
والظاهر اتفاق المسلمين على ذلك ، يقول أحمد بن حنبل :
وعذاب القبر حق ، يسأل العبد عن دينه وعن ربّه ، ويرى مقعده من النار والجنّة ، ومنكر ونكير حق. (٢)
وقد نسب إلى المعتزلة إنكار عذاب القبر ، والنسبة في غير محلّها ، وإنّما المنكر واحد منهم ، هو ضرار بن عمرو ، وقد انفصل عن المعتزلة ، صرّح بذلك القاضي عبد الجبار المعتزلي. (٣)
هذا كلّه ممّا لا ريب فيه ، إنّما الكلام فيما هو المراد هنا من القبر ، والإمعان في الآيات الماضية الّتي استدللنا بها على الحياة البرزخية ، والروايات الواردة حول البرزخ ، تعرب بوضوح عن أنّ المراد من القبر ، ليس هو المكان الّذي يدفن فيه الإنسان ، ولا يتجاوز جثَّته في السَّعة ، وإنّما المراد منه هو النشأة الّتي يعيش فيها الإنسان بعد الموت وقبل البعث ، وإنّما
__________________
(١) تصحيح الاعتقاد : ٤٥ ـ ٤٦.
(٢) السنّة : ٤٧ ؛ ولاحظ : الإبانة للأشعري : ٢٧.
(٣) شرح الأُصول الخمسة : ٧٣٠.