إنّ إخوة يوسف ووالديه سجدوا جميعاً ليوسف بعد استوائه على عرش الملك والسلطنة ، كما يقول سبحانه :
(وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) (١).
إذن ليس معنى العبادة الّتي تختصّ بالله سبحانه ولا تجوز لغيره تعالى هو الخضوع والتذلّل ، أو نهاية الخضوع ، فما هي حقيقة العبادة؟
حقيقة العبادة ـ على ما يستفاد من القرآن الكريم ـ هي «الخضوع والتذلّل ، لفظاً أو عملاً مع الاعتقاد بأنَّ المخضوع له خالق وربّ ومالك وهي من شئون الإلهية». فنرى أنّ القرآن في سورة الفاتحة قبل تخصيص العبادة بالله تعالى ، يوصفه بأنّه ربّ العالمين ، ومالك يوم الدين ، وأنّه هو الرحمن الرحيم ، ومثله قوله تعالى :
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) (٢).
فالخضوع لله تعالى إنّما يكون عبادة له لأنّه هو الخالق والرب وهو المالك والإله واختصاص هذه النعوت بالله تعالى يستلزم اختصاص العبادة له.
والحاصل : أنّ أيَّ خضوع ينبع من الاعتقاد بانّ المخضوع له إله العالم أو ربّه أو فوِّض إليه تدبير العالم كلّه أو بعضه ، يكون الخضوع بأدنى مراتبه عبادة ويكون صاحبه مشركاً في العبادة إذا أتى به لغير الله ، ويقابل ذلك
__________________
(١) يوسف : ١٠٠.
(٢) الانعام : ١٠٢.