إذا عرفت كيفية حصول العلم بالمعلول قبل إيجاده من العلم بالعلّة نقول : إنّ العالم بأجمعه معلول لوجوده سبحانه ، وذاته تعالى علّة له ، وقد تقدّم انَّ ذاته سبحانه عالم بذاته.
وبعبارة أخرى : العلم بالذات علم بالحيثيّة الّتي صدر منها الكون بأجمعه ، والعلم بتلك الحيثيّة يلازم العلم بالمعلول.
قال صدر المتألّهين :
إنّ ذاته ـ سبحانه ـ لمّا كانت علّة للأشياء ـ بحسب وجودها ـ والعلم بالعلّة يستلزم العلم بمعلولها ... فتعقّلها من هذه الجهة لا بدّ أن يكون على ترتيب صدورها واحداً بعد واحد (١).
إنّ المصنوع من جهة الترتيب الّذي في أجزائه ومن جهة موافقة جميع الأجزاء للغرض المقصود من ذلك المصنوع ، يدلّ على أنّه لم يحدث عن فاعل غير عالم بتلك الخصوصيات. فالعالم بما انّه مخلوق لله سبحانه يدلّ ما فيه من بديع الخلق ودقيق التركيب على أنّ خالقه عالم بما خلق ، عليم بما صنع ، فالخصوصيات المكنونة في المخلوق ترشدنا إلى صفات صانعه وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الدليل بقوله : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(٢).
__________________
(١) الأسفار : ٦ / ٢٧٥.
(٢) الملك : ١٤.