يحدث على المكان من آثار بل ما يحدث للبر والبحر والسماء والجو والإنسان من جراء ذلك. ونرى (أبا تمام) وقد لخص هذا الأمر فى حكمته الشهيرة عن (التجدد) بالرحلة كما تجدد الشمس بقوله :
ولم تعطنى الأيام نوما مسكنا |
|
ألذ به إلا بنوم مشرد |
وطول مقام المرء فى الحى مخلق |
|
لديباجتيه فاغترب تتجدد |
فإنى رأيت الشمس زيدت محبة |
|
إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد |
(ديوان أبى تمام ج ٢ ، ص ٢٣) (١٣)
وكأن الحل والحلول ضد طبيعة البشر. وكأن الرحلة هى جوهر الحياة البشرية حتى أن الثبات يخلق وجه الإنسان بين قومه يجعله قديما باليا. وهنا تأتى مقولة أبى تمام والتى تحمل تناقضا بين نصفيها (فاغترب تتجدد) حيث يكون التجدد بمعاناة البعد والاغتراب عن أنس الأهل والأحباب كالتجدد الناشىء للشمس من غروبها ، وكالتجدد الناشىء من احتراق طائر العنقاء وتجدد حياته بعد الموت بل بالموت والتناسخ وهذا معناه أن لذة الرحلة لا تقل بل تزيد عن لذة الحلول والاستقرار لأن العربى (ثم المسلم) يعتقد ـ بمنطق التمايز والسيادة والفصاحة ـ أن الأرض ـ له ـ يطوف آفاقها حتى أن رضى (من الغنيمة بالإياب) كما عبر ـ (امرؤ القيس) وحتى أن نزل حيث يشاء من البر والبحر بمنطق البشر كما صور (عمرو بن كلثوم) ولكنهم ـ جميعا ـ يعتقدون أن كل رحل سيعود إلى داره وأهله لأنهم يعون الزمان فى شكل دائرى والرحلة فى شكل دائرى كالعجلة لابد ـ إن دارت ـ أن يعود أولها من أخرها.