[ذكر بونة]
ثمّ وصلنا إلى مدينة بونة (١) ، فوجدناها بلدة بطوارق الغير مغبونة ، مبسوطة البسيط ولكنّها بزحف النّوائب مطويّة مخبونة (٢) ؛ تلاحظ من كثب فحوصا (٣) ممتدّة ، وتراعي من البحر جزره ومدّه ؛ تغار لها العيون من جور النّوائب ، وتأسى لها النّفوس من الأسهم الصّوائب. وقد أزعج السّفر عن حلولها ، فلم أقض وطرا من دخولها. ومن أغرب المسموعات أنّا صادفنا ـ وقت المرور بها ـ زويرقا (٤) للنّصارى ، لا تبلغ عمارته عشرين شخصا ، وقد حصروا البلد حتّى قطعوا عنه الدّخول والخروج ، وأسروا من البرّ أشخاصا فأمسكوهم للفداء بمرسى البلد ، وتركناهم ناظرين في فدائهم. ومن مولانا اللّطيف الخبير نسأل اللّطف بنا في أحكام [٢١ / آ] المقادير.
[ذكر خولان]
ثمّ مررنا على قرية خولان ، ولم يعرّج عليها من صحبنا إنسان ، ولم أر بها ما يتعرّض له ببيان (٥) ، ولا يعمل فيه قلم ولا لسان ، سوى أنّ فناءها رحب المسرح ، وبسيطها أبسط من غيره وأشرح ، ولكنّ أيدي الخطوب قد زوته (٦) فانزوى ، وأظمات أهلها وهم شرّع في الماء الرّوى.
__________________
(١) بونة : مدينة جزائرية على ساحل البحر المتوسط ، وتعرف اليوم بعنّابة ، تبعد ١٢٠ ميلا شرق قسنطينة. انظر وصف إفريقيا : ٢ / ٦١.
(٢) تورية بمصطلحات العروض «البحر البسيط» و «الزحافات» و «الطيّ» و «الخبن». والطيّ في العروض حذف الرابع من مستفعلن ومفعولات. ويكون في البسيط والرجز والمنسرح انظر الوافي للخطيب التبريزي : ٢٠٦. والخبن : حذف الثاني الساكن انظر الوافي : ٢٠٦. ومخبونة هنا بمعنى : مقلّصة.
(٣) الفحص : ما استوى من الأرض.
(٤) في ت وط : زورقا.
(٥) في ت : ببنان.
(٦) زوى الشيء : جمعه وقبضه.