الحج سنة (٦٨٨ ه / ١٢٨٩ م) ، وعند رجوعه سنة (٦٩١ ه / ١٢٩٢ م) (١). فعلى هذا يكون العبدريّ قد أمضى ثلاث سنوات في رحلته ويؤكّد هذا البلويّ حين أورد أبياتا للعبدريّ في رحلته. فقال : «أنشدها في تونس في رجب الفرد سنة (٦٩٠ ه / ١٢٩١ م)» (٢). فمن المحتمل إذا أن يكون العبدريّ قد عاد في هذه السّنة من الحجاز وأقام في تونس سنة أخرى كما فعل نظيره ابن رشيد السّبتي ت (٧٢١ ه / ١٣٢١ م) صاحب «ملء العيبة». ويؤكّد هذا الاحتمال ما ذكره العبدريّ عن أهل تونس ، وكياستهم ، وعلمهم ، فقد أعجب بعلمائها ومجالسهم العلميّة ، ودليل ذلك قوله عند دخوله تونس بعد عودته من الحجاز : «وقد أقمت بها مدّة حتّى شفيت الحشا العليل ، ونقعت بوردها الغليل ، وقطعت فيها الغدوّ والأصيل ، بمجالسة كلّ فاضل جليل ، فما أنفصل عن عالم يوضح الحلك مهما أجاب ، إلّا إلى صالح يحتلب به درّ السّحاب ، ولا أغدو عن مجلس أدب كقطع الرّياض ، إلّا إلى محفل وعظ يسقي الخدود بالدّمع الفيّاض ، فقطعتها أيّاما من غفلات الدّهر مختلسات ، وانتظم لي شمل أنس طالما مني بالشّتات ، فلم يبق بها شيخ مذكور إلا رأيته ، ولا علم مشهور إلّا أتيته» (٣).
فالرّحلة إذا كانت ذات هدف مزدوج ككثير من الرّحلات الحجازيّة الّتي كان أصحابها يقصدون الدّيار المقدّسة لأداء فريضة الحجّ ، ويغتنمون الفرصة ليلتقوا الشّيوخ في المدن الّتي كانوا يمرّون بها ، ويأخذون عنهم ما يتيسّر لهم من العلوم المختلفة.
__________________
(١) مقدمة رحلة التجاني صفحة : يز.
(٢) تاج المفرق : ٢ / ١٠٩.
(٣) الرحلة : ٤٨٩.