وينصفهم (١) ؛ إذ ذاك من بعض واجبهم ، وأقلّ مراتبهم ، ولكنّ الزّمان لا يعين على توفية الحقوق ، ولا يتعمّد بالفراغ إلّا أهل العقوق ، وناهيك من بلد (٢) لا يستوحش به غريب ، ولا يعدم فيه كلّ فاضل أديب ؛ يبدؤون من طرأ عليهم بالمداخلة ، ويخطبون منه لفضل طباعهم المواصلة ، فهو منهم بين أهل مشفق ، ورفيق مرفق ؛ وقد كان بعض أخيار طلبتها وحسبائهم (٣) لا زمني مدّة الإقامة بها وترك لأجلي مهمّات أموره ، وعرّفني بفضلائها ، وكان لا ينفصل عنّي عامّة النّهار ، وكثيرا ما كنت أمرّ بمن لا يعرفني من أهلها ، فأسأله عن الطّريق إلى ناحية منها ، فيقوم من حانوته ماشيا بين يديّ يسأل الناس عن الطّريق ، ويدلّ بي ، وهذا من أغرب ما يسمع من جميل الأخلاق و (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ)(٤). ولولا أنّي دخلتها لحكمت بأنّ العلم في أفق الغرب قد [٢٣ / ب] محي رسمه ، (٥) ونسي اسمه (٦) ، وضاع حظّه وقسمه ، ولكن قضى الله بأنّ الأرض لا تخلو من قائم له بحجّة ، يرى سبيل الحقّ ويوضح المحجّه (٧) ، وما من فنّ من فنون العلم إلّا وجدت بتونس به قائما ، ولا مورد من موارد المعارف إلّا رأيت بها حوله واردا وحائما (٨).
__________________
(١) في ط : يصفهم.
(٢) في ت وط : ببلد.
(٣) في ت : وحسبانهم.
(٤) من الآية ٥٧ من سورة الحديد.
(٥ ـ ٥) ـ سقط من ت وط.
(٦) المحجّة : الطريق المستقيم.
(٧) في ط : وقائما ، وهو تصحيف. وحومان الطائر : دورانه حول الماء.