وقد زرته ودخلت البيت فوجدت فيه عدّة قبور ، وسألت العجوز القيّمة على الدّار عن قبره فأخبرتني أنّه الّذي في وسط البيت المقابل للباب ، فنظرت تاريخه فوجدته لغيره ، ثم أتيت الّذي على يسار الباب ، وعليه دكّان مبني ، فقرأت في حجر من رخام عند رجليه أنّه قبر الشّيخ أبي محمّد وأنّ وفاته كانت ليلة الجمعة الثّامن والعشرين أو الثّامن عشر من شعبان (١) ـ الشّك منّي ـ سنة ستّ وثمانين وثلاث مئة ، فعرّفت الشّيخ الفقيه المحصّل أبا زيد عبد الرّحمن بن محمّد بما قالت العجوز ، وبما وجدت من التّاريخ فقال لي : طرأ في ذلك مشكل ، وذلك أنّه كان فيما مضى قد احتيج إلى تجديد السّقف ، واستقبحوا الهدم عليهم فأخرجت توابيتهم إلى بيت آخر ، فلما أصلح السّقف ، وأرادوا ردّ التّوابيت أشكلت عليهم ، وكان الشّيخ أبو محمّد مدفونا قبالة الباب كما ذكرت العجوز ، فلما أعيد دفنهم غلب على ظنون أكثر النّاس أنّه دفن على اليسار حيث الدّكان والتّاريخ.
[لقاؤه للدّبّاغ]
وقد بذلت وسعي إذ دخلت القيروان في البحث عمّن بها من أهل العلم ، فلم أجد بها من يعتبر وجوده ، ولا يسع جهله ، سوى هذا الشّيخ الفقيه المحدّث ، الرّاوية المتفنّن ، أبي زيد عبد الرّحمن بن محمّد بن عليّ بن عبد الله الأنصاريّ الأسيدي من ولد أسيد بن حضير (٢) رضياللهعنه ، ويعرف
__________________
(١) يبدو أنّ التاريخ الثاني هو الأقرب للصّواب ، ولكن يوم الجمعة يوافق السابع عشر من شعبان ـ وليس الثامن عشر ـ من سنة ست وثمانين وثلاث مئة.
(٢) أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك الأوسي : صحابي ، كان شريفا في الجاهلية والإسلام ، شهد العقبة الثانية ، وكان أحد النقباء الاثني عشر ، شهد أحدا والخندق. وفي الحديث : «نعم الرجل أسيد بن حضير» توفي في المدينة سنة ٢٠ ه. ترجمته في : الإصابة ١ / ٦٤ ـ صفة الصفوة ٣ / ٥٠٢ ـ طبقات ابن سعد ٣ / ٦٠٣ ـ ٦٠٧.