ونهيه عن التّواضع للولاة حكم شرعيّ ؛ قال صلىاللهعليهوسلم : «من تواضع لغنيّ ذهب ثلثا دينه» (١). وأرى هذا الحديث مبنيّا على الحديث الآخر وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله احبّ إليه ممّا سواهما ، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلّا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النّار» (٢).
فكان (٣) من تواضع لغنيّ لأجل غناه ، قد سقطت عنه الخصلتان الأوليان ، إذ صار الغنى أحبّ الأشياء إليه ، وأحبّ المرء لغير الله ، وإذا سقطت الخصلتان من الثّلاث فقد ذهب الثّلثان ، فهذا وجه تخصيصهما والله أعلم.
وأنشدني لابن جبير بمثل السّند (٤) : [٣٩ / آ] [الخفيف]
أيّها المستطيل بالبغي أقصر |
|
ربّما طأطأ الزّمان الرّؤوسا |
وتذكّر قول الإله تعالى |
|
(إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى)(٥) |
__________________
(١) هو خبر موقوف على ابن مسعود من قوله ، انظر أسنى المطالب ٢٨٩ ، وكشف الخفاء ٢ / ٣١٦ وتمييز الطيّب من الخبيث ١٨٢ ، والموضوعات لابن الجوزي ٣ / ١٣٩.
(٢) أخرجه البخاري : في الإيمان ، حلاوة الإيمان ١٦ ـ ١ / ٦٠ ـ من كره أن يعود في الكفر ٢١ ـ ١ / ٧٢ : الإكراه ، من اختار الضرب والقتل على الكفر ٦٩٤١ ـ ١٢ / ٣١٥. ومسلم : في الإيمان ، بيان خصال الإيمان ٦٧. والترمذي : في الإيمان ، ثلاث من كن فيه ٢٦٢٦. والنسائي : ٨ / ٩٤ ـ ٩٦ ـ ٩٧. وابن ماجه : الفتن ، الصبر على البلاء ٤٠٣٣. الجامع لشعب الإيمان : ٢ / ٣٤٠ ـ ٣ / ٥٣٥.
(٣) في ت وط : فصار.
(٤) البيتان في نفح الطيب ٢ / ٤٩٢ ـ الحلل السندسية ١ / ٢٥٥.
(٥) اقتباس للآية ٧٦ من سورة القصص.