وممّا يزيد في أهميّة الرّحلة أنهّا تعدّ وثيقة مهمّة عن الحياة الثّقافيّة في أواخر القرن السّابع الهجري في البلاد الّتي مرّ بها العبدريّ ، والتقى علماءها فقد أعطانا صاحب الرّحلة فكرة موسّعة عن المستوى الثقافي في هذه البلاد ، وعرّفنا بأعلام العلماء ، وما كان يهتمّ به من العلوم المختّلفة ، كما دلّنا على الكتب التي كانت رائجة آنذاك ، وطرائق التّدريس المتّبعة عصرئذ.
وترجم العبدريّ لمجموعة من العلماء الّذين لا نكاد نعثر لهم على صورة واضحة في المصادر المختلفة ، فأضاء جوانب من شخصياتهم ، وعرّفنا بهم وبطبائعهم ، وكانت أوصافه وأحكامه تتّصف بالدّقّة لأنّها صادرة عن شاهد عيان.
كذلك فإنّ هذه الرّحلة تفيد علماء الجغرافية والتّاريخ في دراسة الظّواهر الّتي كانت سائدة آنذاك ، كما تفيد مؤرخي الأدب في التأريخ الأدبيّ للأقطار الّتي مرّ بها العبدريّ ، فهي تضمّ نصوصا أدبيّة ـ شعريّة ونثريّة ونقديّة ـ مهمّة تتفرّد الرّحلة في بعضها ، بما يزيد في أهميّة الرحّلة ويضعها في مكانها الصّحيح بين كتب الرّحلات المختلفة.