بمثلها غاد ولا راح رائح ، واستبان لهم لمّا لاح في ليل خبطهم نهار ، أنّ بنيانهم كان على (شَفا جُرُفٍ هارٍ)(١) ، ولولا ما أتوقّع من جدال المماحك (٢) لم أشن وجوه الأوراق بهذه المضاحك ، ولم أخلّد لها ذكرا في كتاب ، بل أطويها (٣)(كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)(٤).
ثم قطعنا برّية المراحل الحمر ، وهي بيداء تغري بالرّواحل الضّمر. على أنّها أقلّ البراري غررا (٥) ، وأخفّها مؤونة وضررا ، ماؤها مورود ، قلّما يغبّ (٦) الورود ، ولكن معالمها دوارس ، ومسالكها طوامس (٧) ، للرّمال المنهالة والرّياح الرّوامس (٨).
ومنها إلى قريتي زوارة (٩) وزواغة (١٠) ، ذوي الأنفس الخبيثة والقلوب الزّواغة (١١) ، معتقدات شنيعة ، وأعمال (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ)(١٢) ومذاهب سوء رديّة ، وضمائر شرّ عمر منهم كل طويّة ، إن استنام إليهم حاجّ لم
__________________
(١) سورة التوبة / ١٠٩.
(٢) رجل مماحك : لجوج.
(٣) في ط : طويتها.
(٤) سورة الأنبياء ، من الآية : ١٠٤.
(٥) الغرر : الخطر.
(٦) الغبّ : أن تشرب يوما ، ويوما لا ، أي ورد يوم ، وظمأ آخر.
(٧) الطوامس : جمع طامس ، وهو البعيد الذي لا يتبين من بعد. وطمس الطريق : درس وامّحى أثره.
(٨) الرياح الروامس : التي تنتقل التراب من بلد إلى آخر ، وبينها أيام. والروامس : الرياح التي تثير التراب وتدفن الآثار.
(٩) زوارة : بلدة ذات نخل وأشجار ، أهلها من الخوارج ، تقع على ساحل البحر ، بينها وبين زواغة ستة أميال. رحلة التجاني ٢١٠ ، وقال الوزان : تبعد عن جربة شرقا مسافة ٥٠ ميلا. وصف إفريقيا ٢ / ٩٦.
(١٠) ـ زواغة : من بلاد إفريقية ، وسميت بزواغة قبيلة من البربر ، فيها نخل. انظر رحلة التجاني ٢١١.
(١١) ـ في ط : الرّواغة.
(١٢) ـ سورة النور : ٣٩.