يوقظه إلّا برد ماء التّقديس ، ودويّ أصوات النّواقيس ، أو استأمن إليهم داج لم يرعه إلا تلفيق المعاذير عن إساءة رعي الخنازير ؛ لأنّهم يبيعونهم (١) من النّصارى بأبخس الثّمن ، ويعتقدون ذلك حقّا [لازما](٢) تنتقي عنه الظّنن ، قطع الله دابرهم ، وخضد (٣) أصاغرهم وأكابرهم ، ولا أخلاهم من قارعة تجتاحهم قرعا ، وتسحتهم (٤) أصلا وفرعا.
ثم خطرنا على قرية زنزور (٥) ، ولم أخبرها فلا أحدّث عنها بزور ، إلا أنّ (٦) مظهرها (٧) معجب مونق ، وشجرها مخصب مورق ، ولا أدري [٤١ / ب] هل مخبرها موافق ، أو هي ذات وجهين كالمنافق.
[ذكر طرابلس]
ثم وصلنا إلى مدينة أطرابلس ، وهي للجهل مأتم وما للعلم بها عرس ، أقفرت ظاهرا وباطنا ، وذمّها الخبير بها سائرا وقاطنا ، تلمع لقاصدها لمعان البرق الخلّب (٨) ، وتريه ظاهرا مشرقا والباطن قد قطبّ ، اكتنفها البحر والقفر ، واستولى عليها من عربان البرّ ونصارى البحر النّفاق والكفر ، وتفرقّت عنها الفضائل تفرّق الحجيج يوم النّفر (٩) ، لا ترى بها شجرا ولا ثمرا ، ولا تخوض في
__________________
(١) في ط : يبيعونها.
(٢) زيادة من ط.
(٣) في ط : حصد ، وخضد البدن : تكسّره وتوجّعه.
(٤) سحت : استأصل.
(٥) زنزور : قرية قريبة من البحر على بعد نحو ١٢ ميلا من طرابلس. انظر وصف إفريقيا ٢ / ١١٠.
(٦) في ط : لأن.
(٧) في ت : منظرها.
(٨) برق خلّب : لا غيث فيه ، وفي المثل : إنما هو كبرق الخلب. انظر الميداني ١ / ١٨.
(٩) النّفر : التّفرّق.