ولمّا حضرت تدريسه مرّ لهم في دولة التّفسير قوله تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ)(١) ، فسألته : ما الكتاب المنير الّذي أراد هنا؟ فأجاب : بأنّه جنس ، وهو بمعنى الزّبر قبله بإجماع من المفسّرين. فقلت له : لم كرّر؟ فقال : للتّأكيد. وجمد على ذلك ، ولا يفهم هنا للتّأكيد معنى. ولو قال : كرّر لما تضمّنه من المدح كما تعطف النّعوت بعضها على بعض لكان أشبه ، ولكنّ تكرار الباء يشعر بالفصل ؛ لأنّ فائدة تكرار العامل بعد حرف العطف إشعار بقوّة [٤٢ / ب] الفصل بين الأوّل والثّاني ، وعدم التّجوّز في عطف الشّيء على نفسه ، (٢) والله أعلم (٣).
ثمّ مرّ لهم بعدها قوله تعالى : (وَغَرابِيبُ سُودٌ)(٤) وهي من الآيات الّتي صدئت فيها الأذهان الصّقيلة ، وعادت بها أسنّة الألسنة (٥) مفلولة الشّبا كليلة ؛ وذلك أنّ المنهج في كلامهم تقديم المتبوع على التّابع فيقولون : أبيض ناصع ، وأصفر فاقع ، وأحمر قان ، وأسود حالك ، وغربيب. ولا يقولون : ناصع أبيض ، ولا فاقع أصفر ، ولا قان أحمر ؛ لأنّ التّابع (٦) فيه معنى زيادة الوصف فلو قدّم كان ذكر المتبوع بعده عيّا ، إلّا أن يكون المعنى (٧) أوجب تقديمه. فلمّا
__________________
(١) سورة فاطر : ٢٥.
(٢ ـ ٢) ـ سقط من ت.
(٣) سورة فاطر : ٢٧.
(٤) في ت : ألسنة الأسنة.
(٥) في ت : التبع.
(٦) في ت وط : بمعنى.