قرعت أسماعهم بهذا سكتوا ولم يجد أحد منهم جوابا. وكان الشّيخ قد ذكر ما قال بعضهم ، وأظنّه القاضي أبا محمّد بن عطيّة (١) أنّه من فصيح الكلام فلم أقنع بذلك ، وقررّته على ما تقدّم فسكت.
ومن جملة العجائب أنّ شيخا ممّن حضر إقراءه أراد أن يحتجّ عنه لما كلّمته ، فقال لي : إنّما ذكر السّود ؛ لأنّه قد يكون في الغربان ما فيه بياض ، وقد رأيته في بلاد المشرق ، فلم يفهم من الآية ـ وقد حضر تفسيرها ـ شيئا إلّا أنّ الغربيب هو الغراب!.
وقد ظهر لي في الآية الأولى وجهان أردت أن أثبتهما مستخيرا لله عزوجل : أحدهما : إنّ قوله تعالى : (جاءَتْهُمُ) يعود فيه الضّمير على المكذّبين للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وعلى الّذين من قبلهم فيكون النّبيّ صلىاللهعليهوسلم داخلا في الرّسل المذكورين (٢) ، والكتاب المنير : القرآن ، وقوله : (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٣) معطوف على قوله : (فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)(٤) أي : كذّبوا ، ثم أخذتهم لقيام الحجّة عليهم بالبيّنات وبالزّبر ، وبالكتاب المنير ، وجاء تقديم قيام
__________________
(١) عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الغرناطي ، مفسّر ، فقيه ، قاض ، عارف بالحديث ، له مشاركة في علوم اللغة والأدب والشعر. ولد سنة ٤٨١ ه ، وتوفي سنة ٥٤٢ ه. له تصانيف منها : «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» طبعته وزارة الأوقاف في فاس ، وفهرس بأسماء شيوخه. ترجمته في : الصلة ٢ / ٣٨٦ ـ قضاة الأندلس ١٠٩ ـ معجم ابن الأبار ٢٦٩ ـ بغية الملتمس ٣٨٩.
(٢) في ت : المكذبين.
(٣) سورة فاطر : ٢٦.
(٤) سورة فاطر : ٢٥.