وألفوا خلال المفاوز (١) ، فهم بها أغنى عن الماء من ضبّ (٢) ، وأصبّ إلى صبّ الفواقر على فقر المسافر (٣) من صبّ ، على كل مرقب منهم عقاب يرقب الضيّفان ليقريهم أمرّ عقاب ، فما يمرّ بتلك المسالك سالك ، ولا يخطر على تلك المعابر عابر ، ولا يرد في تلك المناهل ناهل ، إلا انقضّوا عليه انقضاض الصّقور على البغاث (٤) ، وانكدروا (٥) عليه بحيث لا يغاث من استغاث ، فمزقوا أشلاءه تمزيق الدّهر للأحرار ، وعاثوا فيه عيث أويس (٦) في ثلّة (٧) وأسامة (٨) في صوار (٩) ، لا أمن لهم من عوادي الدّهر ربرب (١٠) ، ولا عذب لهم من موارد الآمال مشرب ، ولا رحل عنهم يوم حتّى يستخلف عليهم نكبة ، ولا وردت عليهم ساعة إلا بتحفة عطبة (١١) ، حتّى يصيروا عبرة للبادي والحاضر ، وأحدوثة المقيم والمسافر ، بحول الإله (١٢) الّذي يسبّحه (١٣) الضّب والنّون (١٤) ، وأمره بين الكاف والنّون.
__________________
(١) المفاوز : واحدها مفازة : الصحراء الواسعة التي لا ماء فيها.
(٢) في المثل : لا أفعله حتّى يرد الضبّ الماء ، ولا يكون كذا حتى يحنّ الضبّ في إثر الإبل الصادرة ، وهذا لا يكون لأن الضبّ لا يرد. انظر مجمع الأمثال ٢ / ٢٢٦ واللسان : ضبب.
(٣) في ت وط : المسافرين.
(٤) البغاث : ما لا يصيد من الطير.
(٥) في ط : انكدوا ، وانكدروا : انقضّوا.
(٦) في ت : أوس ، والأوس : الذئب وتصغيره أويس : قال أسماء بن خارجة :
في كل يوم من ذؤاله |
|
ضغث يزيد على إباله |
فلأحشأنّك مشقصا |
|
أوسا ، أويس من الهباله |
والهبالة اسم ناقته ، وأويس : تصغير أوس وهو الذئب. وقيل : افترس له شاة فقال : لأضعنّ في حشاك مشقصا يا أويس من غنيمتك التي غنمتها من غنمي.
(٧) الثلة : جماعة الغنم. وفي المثل : عاث فيهم عيث الذئاب يلتبسن بالغنم. انظر مجمع الأمثال ٢ / ٣٩.
(٨) أسامة : من أسماء الأسد.
(٩) الصّوار والصّوار : القطيع من البقر.
(١٠) ـ الرّبرب : القطيع من بقر الوحش.
(١١) ـ العطبة : الهلاك.
(١٢) ـ في ت وط : الله.
(١٣) ـ في ط : يسبح له.
(١٤) ـ النون : الحوت.