فحوى من علم الصّبابة ما حوى ، واشتمل على أسرار عليها انطوى ، وأخذها مشافهة عن معلّم الطّوى ، سرت في جسمه حميّا (١) راح الرّاح (٢) ، وغنّت على أفنان قلبه أطيار الارتياح ، وهبّ له نسيم وصل اهتزّ له وارتاح ، كما يهتزّ الغصن اللّدن في كفاح الرّياح. فهو مع الأوجال والجوى بمنزل ، وعن حكم السّؤال والجواب بمعزل ، لا يصغي أذنا إلى نصيح ، ولا يلقي أذنا إلى لاح (٣) يصيح. يخاطب وغير المخاطب عنى ، وينظر وإلى غير المنظور رنا. يشدو مترنّما ، ويترنّم مدندنا (٤) : [البسيط]
لم يحبب القلب حبّا مثل حبّكم |
|
ولم تر العين شيئا دونكم حسنا |
فهذا حكمه حكمه ، وأمره أمره (٥) ، وإلزامه التزامه (٦). لا يمتثل إلّا ما به الحبّ أمر ، ولا يسكن إلّا ما سكن الهوى وعمر ، فإن صحا مرّة فخوطب قال : أنا ضيف عمرو (٧). وإن حذّر بأمر أو خوّف بزيد أو عمرو ، قال وهو مشتعل الأحشاء (٨) بالجمر : دعوني فلا خوف ، و «لا حرّ بوادي عوف» (٩) : (١٠) [الكامل]
__________________
(١) الحميّا : بلوغ الخمر من شاربها. ودبيب الشراب.
(٢) الراح : الخمر.
(٣) اللاحي : العاذل.
(٤) الدندنة : الغناء بصوت خافت.
(٥) ليست في ط.
(٦) ليست في ط.
(٧) أراد عمرو بن العاص.
(٨) في ت : الحشا.
(٩) المثل في أمثال أبي فيد ٧٣ ، والجمهرة ٢ / ٤٠٦ والميداني ٢ / ٢٣٦ ، وأمثال أبي عبيد ٩٤ ، والمستقصى ١ / ٤٣٧ و، ٢ / ٢٦٢ ، وفصل المقال ١٢٩ ـ ١٣٠ ، والفاخر ٢٣٦. ويقال ذلك لرجل يسود قومه فلا ينازعه أحد منهم سيادته وهو عوف بن محلّم بن ذهل بن شيبان.
(١٠) ـ البيتان للمتنبي وهما في ديوانه ١ / ٣ ـ ٤. وفي الديوان البيت الثاني قبل الأول.