شخص الإسكندر (١) ، بما ساس فيها من عجائب مبانيها ودبّر ، ناهيك بمدينة كلّها عجب ، قد ستر حسنها حسن [٤٩ / آ] غيرها وحجب ، ووفّي فيها الإتقان حقّه كما وجب ، وقد أغنى عن [٤٩ / آ] تسطير وصفها ما سطره الأعلام ، (٢) وضرب به الأمثال على المهارق بالأقلام (٣).
ومن جملة إبداعها وإغرابها ما رأيت من إتقان أبوابها. وذلك أنّ عضائدها وعتبها ـ مع إفراط طول الأبواب ـ كلّها من حجارة منحوتة ، يتعجّب من حسنها وإتقانها ، وكلّ عضادة منها حجر واحد ، وكذلك كلّ عتبة وأسكفّة (٤) ، ولا أعجب من وضعها هنالك مع إفراط عظمها ، ولم يغيّر طول الزّمان شيئا من ذلك ، ولا أثّر فيه ، بل بقي بجدّته ورونقه. وأمّا مصاريعها (٥) فهي غاية في الإحكام ، ملبّسة بالحديد ظهرا وبطنا بأدقّ ما يكون من الصّنعة وأحسنه وأتقنه.
[عمود السّواري]
ومن أغرب ما رأيت (٦) بها عمود من رخام بظاهرها يعرف بعمود السّواري (٧). وهو حجر واحد مستدير عال جدّا على قدر الصّومعة المرتفعة ، وهو يبدو من بعيد بارزا في غابة من النّخيل مرتفعا عنها ، وقد أقيم على حجارة منحوتة مربّعة (٨) على قدر الدّكاكين العظام ، علوّها أزيد من قامتين ،
__________________
(١) هو الإسكندر الأول ذو القرنين الرّومي باني الإسكندرية.
(٢ ـ ٢) ـ في ت وط : وصرّت به على المهارق الأقلام.
(٣) الأسكفة والأسكوفة : عتبة الباب التي يوطأ عليها.
(٤) المصاريع : الأبواب.
(٥) في ط : ما رأيته.
(٦) انظر ما قيل في عمود السواري في خطط المقريزي ١ / ١٥٩.
(٧) في ط : مرتفعة.