[اعتراض الحجّاج]
ومن الأمر المستغرب ، والحال الّذي أفصح عن قلّة دينهم وأعرب ، أنّهم يعترضون الحجّاج ، ويجرعونهم من بحر الإهانة الملح الأجاج ، ويأخذون على وفدهم الطّرق والفجاج (١) ، يبحثون عمّا بأيديهم من مال ، ويأمرون بتفتيش النّساء والرّجال. وقد رأيت من ذلك يوم وردنا عليهم ما اشتدّ له عجبي ، وجعل الانفصال عنهم غاية أربي ، وذلك أنّه لمّا وصل إليها (٢) الرّكب جاءت شرذمة (٣) من الحرس ـ لا حرس الله مهجتهم الخسيسة ، ولا أعدم منهم لأسد الآفات فريسة ـ فمدّوا في الحجّاج أيديهم ، وفتّشوا الرّجال والنّساء وألزموهم أنواعا من المظالم ، وأذاقوهم ألوانا من الهوان ، ثم استحلفوهم وراء ذلك كلّه.
وما رأيت هذه العادة الذّميمة ، والشّيمة اللّئيمة ، في بلد من البلاد ، ولا رأيت في النّاس أقسى قلوبا ، ولا أقلّ مروءة وحياء ، ولا أكثر إعراضا عن الله سبحانه ، وجفاء لأهل دينه من أهل هذا البلد (٤) ، نعوذ بالله من الخذلان ، فلو شاء لاعتدل المائل وانتبه الوسنان. وكنت إذ (٥) رأيت فعل المذكورين ظننت أنّ ذلك أمر أحدثوه ، حتّى حدّثني نور الدّين ، أبو عبد الله بن [زين](٦) الدّين أبي الحسن يحيى بن الشّيخ وجيه الدّين أبي علي منصور بن عبد [٥٠ / ب] العزيز
__________________
(١) الفجاج : جمع فجّ : الطريق الواسع بين جبلين.
(٢) في ت : لها.
(٣) الشّرذمة : الجماعة من الناس القليلة.
(٤) في ت : هذه البلدة.
(٥) في ت : إذا.
(٦) من ت وط.