صنوف العلم وفنونه ، وتحقّق بتمييز أبكاره وعونه (١). وتسلّط بثاقب ذهنه على استنباط عيونه ، وما رأيت أحدا اجتمع له من حسن الحفظ ، وجودة اللّفظ ، وذكاء الفهم ما اجتمع له. ولا رئيسا جعل العلم قيد همّته كما جعله. وقد استظهر دواوين من العلم في صغره ، ولم يتغير حفظه لها في زمان كبره ، وقد منح من حسن الخلق وجميل العشرة وكمال الإنصاف ، ما يعيا ببعض أوصافه اللّسن الوصّاف ، وما يكلّ دون شأوه طرف (٢) البيان ، مع (٣) ما خصّ به من طلاقة الوجه واليد واللّسان.
وله على التّأليف حسن اقتدار ، وفي إجادة التّصنيف مكنة (٤) تدلّ على أنّه لراية المجد ذو ابتدار. بدأ على «البخاريّ» شرحا مؤسّس المباني ، محقّق المعاني. زانه حسن العبارة في التّصريح والإشارة. إن قضى الله له بالتّمام كان مفتاحا يعّول في حلّ (٥) مشكلات المشروح عليه. ومصباحا يلجأ في إزاحة ظلام الشّكوك إليه. قرأت عليه بعضه ، وسمعت منه مواضع قصد قراءتها عليّ ، وأجازني ما نجز منه ، وما سينجز إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) الأبكار : ج بكر وهي الجارية لم تفتضّ ، واستخدم المصنف اللفظة على المجاز والمراد بالمعنى : العلوم التي لم تطرق.
العون : ج : عوان وهي التي لها زوج ، والمعنى المجاز لها أن هذا الشيخ له معرفة. بمختلف صنوف العلم.
(٢) في ت : صرف. وفي ط : طرفان.
(٣) ليست في ط.
(٤) المكنة : التمكّن.
(٥) في ت وط : كل.