النّاشيء منهم ، وعليه درج الهرم. الدّنيا عندهم جوهر ، والآخرة عرض ، وآمالهم صحيحة ، ودينهم به مرض ، وسهم الرّياء بينهم يرشق كلّ غرض (١).
وقد رأيت فيهم من قلّة الحياء ، وعدم التّنزّه عن الخنا والفحش. ومن قلّة التّستّر عند قضاء الحاجة والأكل ما تقضّيت منه العجب. وأمّا بغضهم للغريب ، وتمالؤهم على ذلك ، فأمر لا يحيط به علما إلّا من عاينه ، وقد رأيتهم في طريق الحجاز إذا سمعوا مهارشة شخص منهم لغريب (٢) يتجارون إليه (٣) من كلّ ناحية كما تصنع الكلاب إذا رأت كلبا غريبا بينها. وما رأيت بالمغرب الأقصى والأندلس على شكاسة أخلاقهم ، ولا بإفريقية وأرض برقة والحجاز والشّام فريقا من النّاس أرذل أخلاقا [٦٨ / آ] ، وأكثر لؤما وحسدا ، ومهانة نفوس ، وأضغن قلوبا ، وأوسخ أعراضا ، وأشد دمامة (٤) وخيانة ، وسرقة وقساوة ، وأجفى للغريب من أهل هذه المدينة المؤسّسة على غير التّقوى. وحقّ لمدينة وضع أساسها عبد الزنادقة (٥) غلام بني عبيد (٦) ـ لعنهم الله ـ أن تجمع أخلاق العبيد ، وأحوال الزّنادقة (٧) ، ناهيك من قوم جعلوا الخنا شعارهم ، والحسد المؤرّث للضّنا (٨) دثارهم. فترى الشّيوخ منهم يتهارشون في الطّرقات ، ويقطعون بلعنة
__________________
(١) الغرض : الهدف الذي ينصب فيرمى إليه.
(٢) في ت : بغريب.
(٣) ليست في ط.
(٤) الدمامة : قبح المنظر.
(٥) يقصد به جوهرا الصقلّي.
(٦) بنو عبيد : الفاطميون.
(٧) في ط : الزندقة.
(٨) الضّنا : المرض والهزال.