وبعد : فإنّي قاصد بعد استخارة الله سبحانه. إلى تقييد ما أمكن تقييده ، ورسم ما تيسّر رسمه وتسويده ، (١) ممّا سما إليه النّاظر المطرق ، في خبر الرّحلة إلى بلاد المشرق ، من ذكر بعض أوصاف البلدان ، وأحوال من بها من القطّان ، حسبما أدركه الحسّ والعيان ، وقام عليه بالمشاهدة شاهد البرهان ، من غير تورية ولا تلويح ، ولا تقبيح حسن ولا تحسين قبيح ، بلفظ قاصد لا يحجم معرّدا ، (٢) ولا يجمح فيتعدّى المدى ، مسطّرا لما رأيته بالعيان ، ومقرّرا له بأوضح بيان ، حتّى يكون السّامع لذلك كالمبصر ، وتلحق فيه السّبّابة (٣) الخنصر ، فتشفى [به](٤) نفس المتطلّع (٥) المتشوّف ، ويقف منه على بغيته السّائل المتعرّف. وأذكر مع ذلك ما (٦) استفدته من خبر ، أو أنشدته من درر ، ما أنظم في أوراق (٧) متبدّده ، وأعقل بعقال الخطّ متشرّده ، وأثبت في خلال ذلك من نظمي ما يتغلغل إليه الكلام ، أو تجنح إلى تحصيله ضوامر (٨) الأقلام ، وأضيف إلى ذلك ما يضطرّ إليه التّبيان ، (٩) فيما قصّر فيه العيان ، من نبذ مذكورة ، ونتف مشهورة ، ونكت مرسومة [١ / ب] في الكتب مسطورة ، تتميما لغرض التّقييد ، وتعميما لأرب المستفيد ، حتّى يكون التأليف في بابه مغنيا ، وعن الافتقار إلى غيره مستغنيا ، مثبتا في كلّ رسم بعض الأحاديث
__________________
(١) في ط : تسديده.
(٢) في الأصل : مفردا ، وهو تحريف. والتعريد : الفرار.
(٣) في ت : به بالسبابة.
(٤) زيادة من ت وط.
(٥) في ت : المتطالع.
(٦) في ت وط : مما.
(٧) في ت وط : ما أضم في الأوراق.
(٨) في ت : ضوار ، وهو تحريف.
(٩) في ت وط : البيان.