[تضييع المساجد]
ومن الغرائب عندهم تضييع المساجد والجوامع وإهمالها ، وقلّة التّحفّظ فيها ، حتّى تصير مثل المزابل ، وتسودّ حصرها وحيطانها من الأوساخ. وقد صلّيت الجمعة في بعض جوامعها ، فرأيت فيه (١) أكواما من أنواع الكناسات. وهم يعتقدون [٦٨ / ب] نجاسة مساجدهم وجوامعهم ـ وهي كذلك ـ فلا يأتي من مصلّيهم شخص إلّا بحصير أو ثوب يصلّي عليه ، وقد رأيتهم يفرشون في المحراب ما يصلّي عليه الإمام ، فما أكثر جفاءهم ، وما أقلّ من الله حياءهم ، ولولا لطف الله في تملّك الأتراك لهم ما أمكن المقام بها مسلما. ولكنّ ملوكهم أهل دين ، وعقائد سليمة ، وشفقة وحنان على المسلمين ، وتفضّل على الفقراء ، وحسن ظنّ بأهل الدّين ، وهم ركن الإسلام ـ نفعهم الله وأحسن عونهم ـ وقد رأيت من خدمتهم للرّكب ، واحتياطهم وصبرهم ، وحسن محاولتهم ، ما تعجّبت منه ، فالحمد لله على تيسير العون على طاعته.
وكان وصولنا إلى هذه المدينة في أخريات رمضان ، فأتممنا الشّهر بها ، وصلّينا معهم صلاة العيد ، وهم يصلّونها (٢) في المساجد ، وبعضهم في ساحة تحت القلعة وسط البلد ، ولا يبرزون لها كما وردت به السّنّة ، ولم نر منهم يومئذ من صدر منه التّأنيس بكلمة. وممّا قلت في ذلك : [الطويل]
ذكرت بيوم الفطر في مصر إذ أتى |
|
ـ وقوس النّوى ترمي الحشا أسهم الكرب ـ (٣) |
__________________
(١) في ت : فيها.
(٢) في ط : يصلّون.
(٣) النوى البعد. الكرب : الحزن والغّم الشديد.