فراخا نأى أنسي بنأي محلّهم |
|
وصحبا كراما ضمّهم أفق الغرب |
فأفطرت من قبل الغّدو بعبرة |
|
غنيت بها يومي عن الأكل والشّرب |
وكنت نزلت بالمدرسة الكامليّة (١) منها في علّو مشرف على السّوق ، فكنت قلّما أرقد إلّا منغصّا لصياح الباعة ؛ وهم يبيعون طول اللّيل ، وقلّما يكون طعام الشّريف منهم والوضيع إلّا من السّوق ، والضّغط على ذلك ، والزّحام متّصل ، والطّرق غاصّة بالخلق ، حتّى ترى الماشي فيها ماله همّ سوى التّحفّظ من دوس الدّواب إيّاه ، ولا يمكنه تأمّل شيء في السّوق لأن الخلق يندفعون فيها مثل اندفاع السّيل. وقد ضاعت لي بها دابّة بسبب الزّحام ، كان عليها شخص راكبا ، فتكاثر عليه الزّحام حتّى أسقط عنها ، واندفعت في غمار الخلق ولم يمكنه التوصّل إليها وهو [٦٩ / آ] يبصرها حتّى غابت عنه ، وكان آخر العهد بها.
وحدّثت أنّ رسولا من قبل ملك الرّوم ـ أخزاهم الله ـ وصل إليها في مدّة الملك الظّاهر (٢) ، فأمرهم الملك أن يدوروا به بعد العصر في البلد قصدا لأن يرى إفراط (٣) عمارة البلد ، فداروا به ، فقال لهم : إنّ بلدكم هذا ضعيف. فقالوا : وكيف ذلك؟ أو ماترى المخلوق الذّي به؟ فقال لهم : إنّ هؤلاء جميعا
__________________
(١) بناها الملك الكامل وتمّ الانتهاء من عمارتها سنة ٦٢١ ه. انظر خطط المقريزي ٢ / ٣٧٥.
(٢) الملك الظاهر بيبرس العلائي : فاتح ، قائد شهير ، تولى سلطنة مصر والشام سنة ٦٥٨. له وقائع مع التتار والإفرنج. توفي بدمشق ٦٧٦ ه ودفن فيها. ترجمته في فوات الوفيات ١ / ٢٣٥ ـ النجوم الزاهرة ٧ / ٩٤ ـ بدائع الزهور ١ / ٣٠٨ ـ ٣٤٢ ـ حسن المحاضرة ٢ / ٩٥.
(٣) ليست في ط.