فلمّا كان المأمون أراد أن يهدمها ، فقال له بعض شيوخ مصر : قبيح بمثلك أن يطلب شيئا لا يناله ، فقال : لا بدّ أن أعلم علم (١) ذلك ، ثم أمر بفتحها (٢) من الجانب الشّمالي لقلّة دوام الشّمس على العمّال. فكانوا يوقدون النّار عند الحجر فإذا احمرّ رشّ عليه الخلّ ، ورمي بالمنجنيقات ، حتّى فتحت الثّلمة الّتي يدخل منها اليوم. ووجدوا عرض الحائط عشرين ذراعا ، وبإزاء النّقب مالا ، فأمرهم بوزنه ، وبإحصاء ما أنفق على نقبه فوجدوهما سواء. فعجب المأمون من ذلك (٣). قال : ووجدوا طول كلّ هرم (٤) من الهرمين الكبيرين أربع مئة ذراع بالمالكيّ ، وهو ذراع ونصف بذراع اليد (٥). ويقال : ليس على وجه الأرض أرفع بناء منهما ، ويذكر أنّ عمقهما في الأرض مثل ارتفاعهما.
والّذي سطّر من غرائب مصر في أهرامها ، وبرابيها ، وغيرها أمر يضيق عنه الوصف. وما كدّر معينها ، وبخس ثمينها ، ونغّص نعيمها ، وأعلّ سليمها ، إلّا أهلها الّذين ينكل (٦) الخير عن وجوههم وينكص. وينمو الشّرّ بهم ولا ينقص ، وبجيرانها (٧) تغلو الدّيار وترخص ، وخصوصا أهل تلك المدينة المظلمة ، التي هي من كلّ الفضائل معدمة. أخطأهم النّوء المحمود (٨) ، وبعدا لهم كما بعدت ثمود. (٩) وليس في أرض مصر من ينتهي في كلّ وصف
__________________
(١) ليست في ت.
(٢) في الأصل : يفتح.
(٣) خطط المقريزي ١ / ١١٣.
(٤) في ط : واحد.
(٥) خطط المقريزي ١ / ١١٤ ، مستفاد الرحلة والاغتراب ١٦٦.
(٦) نكل : نكص.
(٧) في سائر النسخ : وبخيراتها.
(٨) النّوء : النجم.
(٩) استفاد من قوله تعالى : (أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) هود ٦٨.