متمسّكين بأصل دعواهم في انتسابهم إلى أهل البيت ، حتّى أباد الله غضراءهم (١) ، ودهم بالفناء دهماءهم ، وقد دلّ مانالوه (٢) من جسيم الملك كلّ ذي فطرة سليمة ، على حقارة الدّنيا وخساستها و «لو وزنت عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا جرعة ماء» (٣). «إن الله يعطي الدّنيا من يحبّ ومن لا يحبّ [ولا يعطي الآخرة إلّا لمن يحّب]» (٤) وناهيك بمملكة وصلت ما بين الشّرق والغرب ، واستولت على الحجاز واليمن ، والشّام ، وديار ربيعة (٥) ، ومصر وأرض برقة ، وإفريقيّة ، وانتهت إلى سجلماسة (٦) وإلى فاس بأقصى المغرب ، ودامت نحو مئتي سنة. وآثارهم إلى الآن موجودة ، وأسماؤهم مذكورة ، وقد رأيتها في جامع القيروان ، والشّام (٧) وغيرهما ، حكمة من الله بالغة (٨) ، وحجّة لتوهم الخيال دامغة. وما أظنّ مؤمنا تبقى له شبهة مع هذا في حقارة الدّنيا ، ودناءة خطرها ، وسقوط قدرها عند خالقها ، ما نظر إليها منذ خلقها. دار يستطيل بها العدوّ على الوليّ ويظفّر (٩) فيها الأعوج على
__________________
(١) العرب تقول : أباد الله خضراءهم ، وقال الأصمعي : «أباد الله غضراءهم» ، أي خصبهم وخيرهم ، تهذيب اللغة ٨ / ٨ «غفر».
(٢) في ت وط : مانالوا.
(٣) في ت وط : ما سقي منها كافر ، وهو حديث أخرجه الترمذي في أبواب الزهد ، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عزوجل رقم ٢٣٢١ من طريق سهل بن سعد وتفرّد به بقول المحقق.
(٤) ما بين حاصرتين زيادة من ت ، والحديث أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده ١ / ٣٨٧.
(٥) ديار ربيعة : تضمّ عدّة كور بين الموصل ورأس العين ونصيبين ودنيسر والخابور ، بين الحيرة والشام انظر مراصد الاطلاع ٥٦٨ وياقوت ٢ / ٤٩٤.
(٦) سجلماسة : مدينة في المغرب في منقطع جبل درن ، تقع جنوب فاس وبينهما عشرة أيام. انظر مراصد الإطلاع ٦٩٤.
(٧) ليست في ت.
(٨) استفاد من الآية الكريمة : (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) سورة القمر ٥.
(٩) ت وط : يطفو ، وظفر عليه : غلبه انظر تهذيب اللغة ١٤ / ٣٧٥ ظفر.