على نحو عشرة أميال منها ويعرف بالبركة. صحراء لا أنيس بها ، وعادة الرّكب النزول بها ليتلاحق (١) النّاس وربّما أقاموا بها يومين أو ثلاثة ، وفيها آبار طيّبة ، وتقوم بها سوق عظيمة يستتمّ بها (٢) الحجّاج جهازهم. فلمّا تلاحق الرّكب واستتبّ السّفر ، رحلنا في الضّحى الأعلى من يوم الثّلاثاء الثّامن عشر من شهر شوّال مستقبلين للبريّة الكبيرة : بريّة ما بين الحجاز ومصر ، وهي مسيرة أربعين يوما ، وما بها مستعتب إلّا في ينبع وفي بدر ، فإنّ بهما عمارة هي أشبه شيء بالخلاء والورود في جميعها ربعا (٣) وغبّا (٤) ، والرّبع هو الغالب ، وليس في البراري أطول منها ولا أقفر (٥). أرضها في نهاية الحروشة (٦) لا يمكن أحدا فيها المشي بغير مداس البتّة. وفيها قوم من العرب ، صعاليك ينتقلون فيها من موضع إلى موضع مالهم قوت إلّا ما يمتارونه (٧) من بعيد ، فهم الدّهر كلّه في جهد وفرط شظف (٨). وقلّما يظهرون للرّكب لخبث أفعالهم ، وعدم ما يعاملون به ، وإنّما يتطرّفون (٩) الرّكب (١٠) ويطالعونه من كلّ مرقب ، فإذا رأوا متخلّفا عنه لغفلة ، أو نوم ، أو انقطاع عجز ، انقضّوا عليه فمزّقوا أشلاءه ، ولو لم يجدوا عليه إلّا خرقة واحدة لم يتركوها له. ولو لا صاحب
__________________
(١) في ط : ليلاحق.
(٢) في ت وط : منها.
(٣) الرّبع : ورد الماء يوما وتركه يومين ثم الورود في اليوم الرابع. انظر تهذيب اللغة ربع ٢ / ٣٧٠.
(٤) الغبّ : ورد يوم وظمء آخر.
(٥) في ط : أفقر.
(٦) الحروشة : الخشونة.
(٧) الامتياز : هو طلب الميرة ، وهي الطعام.
(٨) الشّظف : شدّة العيش وضيقه.
(٩) في ت وط : يتطرقون.
(١٠) ـ في ت : للركب.