الظّهر ، ويصلّون ثم يرحلون ، وربّما رحلوا قبل الصّلاة ، ثمّ ينزلون آخر النّهار عند الغروب إلى نصف اللّيل هكذا إلى مكّة ، وإلى مصر.
وهذا السّير على هذه الصّورة من أروح ما يكون للمسافر المجدّ ، لانقسام السّير والرّاحة بين اللّيل والنّهار ، مع الإرواد (١) في المشي والجدّ فيه ، فصاروا يقطعون بالدوّام مع المهل ما لا يقطعه الجادّ في يوم تامّ ؛ وحصلت الرّاحة مع قضاء ما لا بدّ منه بالنّهار من أكل وسقي في المناهل ، ونزول للرّاحة (٢) ، وغير ذلك. ولو كان سيرهم بالنّهار خاصّة ، لقطعهم عنف السّير ، وتعطّل عليهم أكثره لتلك الضّروريات فيكثر عناؤهم ولم يقطعوا مسافة.
وهذه البريّة ـ مع طولها ـ من أروح المواضع للحاجّ بسبب الأمن ، فإنّ أصحاب الأموال يتّسعون بها على اختيارهم ، ولا يتّقون عليها ، والضّعفاء يعيشون بينهم بأنواع من الاحتراف ، وأضرّ ما على الفقير فيها المرض لعدم المستعتب وطول الطّريق. وأمّا القوت فيتسبّب فيه إذا كان صحيحا. وقلّما يعوزه التّسبّب لكثرة (٣) الخلق ، فإنّهم بحيث لو غاب عن أحد (٤) رفيقه لم يجده عن أيّام ، وأكثرهم بعلامات يتعارفون بها وأعرف بعض المصامدة (٥) ضاع عن أصحابه في الرّكب عند انفصاله (٦) من مصر فما زال ينشدهم وينادي بهم ولم يجدهم حتّى وصل إلى عقبة أيلة (٧) مسيرة عشرة أيّام ، وكان الرّكب
__________________
(١) الإرواد في المشي : الإمهال.
(٢) في ت وط المراحل
(٣) في ت وط : بكثرة
(٤) في ت واحد.
(٥) المصامدة : نسبة إلى قبائل مصمودة.
(٦) في ت : انتقاله.
(٧) أيلة : مدينة على شاطىء البحر في منتصف ما بين مصر ومكة. انظر ياقوت ١ / ٢٩٢.