[ينبع]
ومنها إلى ينبع يومان جادّان ، وينبع من بلاد الحجاز المعروفة وهي بليدة في أصل جبل ، ضعيفة البناء قليلة السّاكن ، والخراب بها كثير ، وغربيّها بسيط متّسع ، وهو محطّ الرّكب ، ولكنّه سبخة لا تنبت ، وفيه نخيل وماء معين طيّب. وصاحب ينبع مستبّد بها كاستبداد صاحب مليانة ؛ إذ لا أحد يرغب فيهما ولو كان كلّ (١) بلد مثلهما لوقع الأمان و «لم ينتطح فيها عنزان» (٢). ومن ذا الّذي يرغب في عين العناء ، وينافس في نفس الفناء ، فهم طلقاء الجوع ، وعتقاء الشّظف ، أمّنهم الخوف ، ونجّاهم التّلف. ولكنّ ينبع على ما هي عليه ترتاح لها النّفوس [٨٧ / آ] وينضى لرؤيتها لبوس البوس ، لأنّها مراقبة (٣) لدار حلّها الحبيب ، وربع يدعى فيها الشّوق فيجيب ، ويخطر به الخاطر فيعرف ولا يستريب ، لو نطقت بقعه (٤) لأفصحت بكلّ عجيب. منزل غدا للعقول عقالا ، ينفر إليه جند الوجد (خِفافاً وَثِقالاً)(٥) تودّ الخدود به لو كانت يغالا ، ذا المعالي (٦) فليعل من يتعالى.
وللّركب في ينبع سوق كبير ، والتّمر فيه كثير ، ومنه يتجهّز من نقصه شيء من زاده إلى مكّة ، وبه يحطّ أهل مصر أثقالهم وما لا يحتاجون إليه من
__________________
(١) ليست في ط.
(٢) في المثل : لا ينتطح فيه عنزان. انظره في الوسيط ١٩٨ ، والفاخر ٣١٢ ، والميداني ٢ / ٢٢٥ ، والمستقصى ٢ / ٢٧٧. واللسان نطح. وهو حديث شريف.
(٣) في ت وط : مصاقبة : والصّقب : القرب.
(٤) ليست في ط.
(٥) اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة ٤١ : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ).
(٦) في ت التعالي.