موضع قريب ، ويدلّ على صحّة ما قدّمت أنّه قد حدّ الميقات بالجحفة ، ومرّة بمهيعة ، وقال صاحب الدّلائل : (١) إنّها قريبة من الحجفة وإن كان أكثر النّاس على خلاف ما حكى ، وإنّ الجحفة هي مهيعة ، وكذلك في إحرام النّبيّ صلىاللهعليهوسلم تارة تذكر البيداء (٢) والأكثر ذو الحليفة (٣) ، وما أوجب ذلك إلّا تقارب الموضعين.
وقد خرجنا عمّا كنّا بسبيله ، فلنرجع إلى المقصود فنقول : ذكر أهل الأخبار أن الجحفة كان اسمها قديما مهيعة حتّى نزلها بنو عبيل (٤) إخوة عاد في الدّهر الأوّل حين أخرجتهم العمالقة من يثرب ، فأتى عليهم سيل اجتحفهم فسمّيت الجحفة. وحكى القاضي عياض في مشارقة قولا : «إنّما سميت الجحفة من سبب سيل الجحاف الّذي اجتحف الحجّاج عام ثمانين» (٥) ولا أدري كيف ينطلق اللّسان بحكاية مثل هذا ؛ وبعد أن يحكي كيف لا ينبّه عليه ؛ وذلك أنّها كانت تسمّى الجحفة قبل الإسلام وإلى الآن ، وجاء ذكرها في الأحاديث الصّحيحة والأخبار الثّابتة ، وكان سيل الجحاف في إمارة عبد الملك ابن مروان (٦) فكيف سمّيت به قبل وجوده؟ وأغرب من ذلك أنّ سيل الجحاف
__________________
(١) هو كتاب الدلائل على معاني الحديث بالشاهد والمثل لقاسم بن ثابت السرقسطي المتوفى سنة ٣٠٢ ه. انظر نفح الطيب ٢ / ٤٩ ، ومنه نسخة خطيّة في مكتبة الأسد الوطنيّة بدمشق.
(٢) البيداء : أرض ملساء بين مكة والمدينة تعد من الشرق أمام ذي الحليفة في أولها بئر. انظر المناسك ٤٢٨.
(٣) ذو الحليفة : هو الموضع الذي أحرم منه الرسول صلىاللهعليهوسلم ويبعد هذا الموضع عن المدينة خمسة أميال. انظر المناسك ٤٢٥.
(٤) في الأصل وت : بنو عبيد وهذا تصحيف. وبنو عبيل : قبيلة قد انقرضوا. انظر اللسان : عبل.
(٥) مشارق الأنوار ١ / ١٦٨.
(٦) عبد الملك بن مروان : من أعظم خلفاء بني أمية توفي بدمشق سنة ٨٦ ه