كان بمكّة واجتحف الحجّاج من المحصّب (١) وذهب بهم وبأمتعتهم ، وهدم بمكّة دورا كثيرة [٨٨ / ب] ودخل المسجد الحرام وأحاط بالكعبة. وكان ذلك سحر يوم التّروية من عام ثمانين. فما شأنه والجحفة حتّى سمّيت به؟ هذا ممّا يكون الإضراب عنه صفحا أولى وبالله التّوفيق.
وبعد مرحلة من رابغ جاءنا من مصر من أخبر بموت سلطانها الملك المنصور (٢) ولهم عن مصر سبعة عشر يوما. وكنّا تركنا السّلطان على الحركة إلى جهاد عكّة ، وقد برز جميع عسكره خارج المدينة فلمّا خرج مرض فمات من حينه فسبحان من (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)(٣)
[خليص]
ومن الجحفة إلى خليص (٤) مسيرة ثلاثة أيّام ، وهي قليعة منيعة على شرف مرتفع ، ولها نخل كثير ، وماء جار طيّب ، وصاحبها من الشّرفاء مستبدّ بها ، وهو رجل صالح محبّ في الحجّاج ، مكرم لهم. وإذا نزل الرّكب به تلقّاهم وأحسن مثواهم ، والعربان تقيم هنالك سوقا عظيمة ويجلبون إليها الغنم والتّمر والإدام فيكثر العيش بها ويرخص.
__________________
(١) المحصّب : موضع بين مكة ومنى وهو بطحاء مكة وهو خيف بني كنانة.
(٢) الملك المنصور : هو قلاوون الألفي العلائي : كان من المماليك. أعتقه الملك الصالح نجم الدين أيوب سنة ٦٤٧ ه فأخلص الخدمة للملك الظاهر بيبرس وتولى السلطنة سنة ٦٧٨ ه وحقق عدّة انتصارات على التتار وتوفي بالقاهرة سنة ٦٨٩ ه. ترجمته في بدائع الزهور ١ / ٣٤٧ ـ ٣٦٤. النجوم الزاهرة ٧ / ٢٩٢ ـ فوات الوفيات ٣ / ٢٠٣.
(٣) سورة القصص ، من الآية : ٨٨.
(٤) خليص : حصن بين مكة والمدينة.