وهنالك ثنيّة المقبرة كما تقدّم ، وليس بين هذا الموضع وبين مكّة إلّا أقلّ من نصف ميل ، ولا أدري من أين أتى السّهيليّ فقال : «بين الحجون ومكّة فرسخ وثلث» ، ولعلّ ذلك من جملة تحكّماته فله منها عدّة والله الموفّق.
[المسجد الحرام]
وأمّا المسجد الحرام (١) ـ زاده الله تشريفا ـ فهو وسط البلد ، كبير متّسع ، يكون طوله «أزيد من أربع مئة ذراع» (٢) كما ذكر الأزرقيّ ـ رحمهالله ـ وطوله من الشّرق إلى الغرب (٣) وهو قريب من التّربيع ، يخيّل للنّاظر إليه أنّه مربّع ، مفروش برمل أبيض جميل المنظر جدّا ، محكم العمل ، عجيب الصّنعة ، كثير الإشراف ، مرتفع الحيطان نحو عشرين ذراعا ، ودوره كلّه مسقّف على أعمدة عالية ، ثلاثة صفوف بأتقن ما يكون من العمل ؛ وفي كل جهة أبواب جملتها تسعة وثلاثون (٤) ، وباب بني شيبة في ركن الحائط الشّرقيّ من جهة الشّمال أمام باب الكعبة متياسرا ؛ وفي جهة الشّمال باب دار النّدوة (٥) ، ودار النّدوة قد جعلت مسجدا شارعا في الحرم (٦) مضافا إليه ، وهي مقابلة للحجر والميزاب ، وفي جهة الغرب باب العمرة ، وهو من أجمل أبوابه ، [٩٣ / آ] وهنالك مدرسة مليحة لها علو وسفل ، وفيها بعض الضّيق ، دخلتها أطلب فيها مسكنا
__________________
(١) انظر وصف المسجد الحرام في المناسك ٤٧٥.
(٢) أخبار مكة : ٢ / ٨٢ وفيه : طوله أربع مئة ذراع وأربعة أذرع.
(٣) في ط : من المشرق إلى المغرب.
(٤) في المناسك ٤٧٥ : للمسجد ثلاثة وعشرون بابا.
(٥) دار : ليست في ت وط. ودار الندوة هي الدار التي اجتمعت فيها قريش تتشاور في أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم. انظر المناسك ٤٧٥.
(٦) أدخلت دار الندوة في المسجد الحرام في أول القرن الرابع الهجري. انظر أخبار مكة ٢ / ٧٨ ـ ٨٠.