وخفّة الزّحام ، وقدرت (١) ما جرى القدر بغيره ، وليس إلّا ما شاء الله. وقد وقفت عليها مرارا ، فلم أجد مدخلا من كثرة الخلق ، وإفراط الزّحام ، والّذي يكون بها وبغيرها من المضايقة ، والمدافعة ، وتكلّف ما لم يرد به شرع ، وتقوّل (٢) ما ليس له أصل ، أمر يضيق عنه الوصف. وقديما شكي بذلك ، قال قتادة : «في قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)(٣). إنّما أمروا أن يصلّوا عنده ، ولم يؤمروا بمسحه ، ولقد تكلّفت هذه الأمّة شيئا ما تكلّفته (٤) الأمم قبلها ، ولقد ذكر لنا بعض من رأى أثره وأصابعه فما زالت هذه الأمّة تمسحه حتّى اخلولق وامّحى» (٥).
قلت : ولم ير عبرة من لم ير قتالهم على الرّكن الأسود ، وعلى دخول الكعبة ، ترى الرّجال يتساقطون على النّساء ، والنّساء يتساقطن على الرّجال ، ويلتفّ البعض بالبعض ، ويتأهّبون للقتال ، ويستعدون للدّفاع والملاكمة ، وقلّما يتمكّن أحدهم من الرّكن فيفارقه حتّى يثخن (٦) ضربا ، ويكونون في الطّواف فإذا جاؤوا إلى الرّكن تركوه إلى البدعة (٧) وما لا يعني ، فبعضهم في التزام (٨) الحجر وقطع الوقت به لثما ولحسا ، وبعضهم في صبّ العفونات (٩) عليه
__________________
(١) في ط : وقرّرت.
(٢) في ط : ونقول.
(٣) سورة البقرة من الآية ١٢٥.
(٤) في ط : تكلفتها.
(٥) أخبار مكة ٢ / ٢٩ ـ ٣٠.
(٦) الإثخان في الشيء : المبالغة فيه والإكثار منه.
(٧) البدعة : ما استحدث في الدين وغيره.
(٨) في الأصل : التزاحم وهو تحريف.
(٩) في ت وط : العقوبات ، وهو تحريف.