فصل
[اسماء مكّة]
[٩٥ / ب] قال الله جلّ ذكره : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً)(١). وقال : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ، وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ)(٢). فاختلف في هذين الاسمين ، فقيل : هما واحد ، والباء تبدل من الميم. كما يقال : لازم ولازب. وقيل : مكّة بالميم اسم البلد ، وبالباء موضع البيت ، وقيل : بكّة بالباء بطن مكّة ، وقيل موضع المسجد والبيت ، وهذا كلّه متقارب ، واختلف في اشتقاق الاسمين فقيل : بكّة بالباء مشتقّة من الازدحام وأنشد أبو عبيدة : (٣) [الرّجز]
إذا الشّريب أخذته أكّه |
|
فخلّه حتّى يبكّ بكّه (٤) |
وقيل : من بكّ العنق وهو التواؤها ، لأنّه ما فجر فيها أحد في الدّهر الأوّل إلّا أصبحت عنقه ملتوية.
قلت : ويحتمل أن يكون من بكّ الشّيء إذا فرّقه ، لتفرّق النّاس منها في كلّ جهة عند فراغ الحجّ ، قال امرؤ القيس : (٥) [الطويل]
ولله عينا من رأى من تفرّق |
|
أشتّ وأنأى من فراق المحصّب (٦) |
__________________
(١) سورة آل عمران من الآية ٩٦.
(٢) سورة الفتح من الآية ٢٤.
(٣) أبو عبيدة معمر بن المثنى من أئمة العلم بالأدب واللغة له : نقائض جرير والفرزدق ، ومجاز القرآن ، والخيل. توفي بالبصرة سنة ٢٠٩ ه. ترجمته في بغية الوعاة ٢ / ٢٩٤. والبيتان في النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري ١٢٨ ، والسيرة لابن هشام ١ / ١٠٥. وقد عزاهما لعامان بن كعب بن عمرو بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، انظر المناسك ٤٧٣ ، وفي معجم البلدان ٥ / ١٨١. واللسان أكك.
(٤) الشريب : الذي يشرب معه ، والذي يسقي إبله مع إبل صاحبه. يقول : إذا ضاق الشريب وساء خلقه وغضب عند الحوض فدعه يبك إبله بكّة ؛ أي يقبلها الحوض يصرفها إليه. والأكّة : الحمية. النوادر ١٢٨.
(٥) ديوان امرئ القيس ٤٢.
(٦) في الديوان : فلله عينا.