ما رأى من ذلك ، فانصرف عن الخاطر الأوّل ، ورحل من بدر متوجّها إلى المدينة على وادي الصّفراء ، وهو واد معمور فيه ماء ، ونخل ، وبنيان ، وعمارة جيّدة ، ويتّصل كذلك قريبا من مسافة يوم ؛ ولا عمارة وراءه إلى المدينة نحو أربعة أيام ، والماء بها قليل ، ودون المدينة على نحو من مسافة نصف يوم وادي العقيق (١) ؛ وليس به ماء ولا عمارة ، وحصاه ينحو نحو الحمرة ، وهو وادي ذي الحليفة ، والعقيق خرز أحمر معروف ، واحده عقيقة. وقال ابن دريد : «كلّ شقّ في الأرض فهو عقيق ، وعقّ الشّيء شقّه» (٢) والعقيق أيضا وادي المدينة الّذي فيه أموالها ، ونخيلها ، وذو الحليفة على طريق المدينة بنحو سبعة أميال ، وهي بطحاء سهلة ليّنة ، وفيها أوحي إلى رسول الله (٣) صلىاللهعليهوسلم أنّه ببطحاء مباركة. وهي مهلّ أهل المدينة كما تقدّم. وهنالك بئر يعرف ببئر عليّ ، وعليه نزول الرّكب ، وبه آثار (٤) بنيان ، ورسوم داثرة.
وعرب تلك النّاحية من أكفر العرب وأفجرهم ، وقد رأيت شخصا من الحجّاج لما نزل الرّكب تقدّم إلى [١٠٨ / آ] المدينة مغتّرا بقربها ، فما عدّى الرّكب حتّى أخذوه وجرّدوه ، بعد الضّرب المبرّح ، وأثخنوه جراحا ، فتركناه بالمدينة منقطعا ما به حراك ، لا خففّ الله ثقل أوزارهم ، ولا عفا عن قبيح آثارثهم ولا أعفاهم من قوارع الدّهر وخطوبه ، وإنحائه عليهم من كروبه ، بأنواع ضروبه.
__________________
(١) العقيق : واد على ميلين من المدينة وقيل على عشرة أميال منها ، وفيه نخل وقبائل من العرب. انظر معجم البلدان ٤ / ١٣٨ والروض المعطار ٤١٦.
(٢) جمهرة اللغة ١ / ١١٢ عقق.
(٣) في ت : «أوحى الله إلى الرسول».
(٤) في ت : أثر.