[ذكر المدينة المنورة]
وفي ضحى يوم الاثنين الثّامن والعشرين من ذي الحجّة ، وصلنا إلى معهد الفضائل المشهورة ، ومعقد ألوية الدّين المنشورة ، ومحتد المآثر المذكورة المأثورة ، مجمع محاسن الدّارين ، ومنبع مفاخر العصرين ، ومطلع سعادة الثّقلين. روضة أزهار الأنام (١) ، ومشرق أنوار بدر التّمام ، وحمى كرم ما حام حوله حام ، ولا سام بصفقته سام ، حمى آدم فآدم عيشه القشف (٢) بإكرام ، وأولاه مناه ، ولولاه لاستمرّ أذاه ودام ، ولا غرو أن كان أباه وقد أسماه عليه الله (٣) ، فالنّور من النّبت ، والقطر من الغمام. كم حوى من فخر محلّ حواه ، كم نال من أثر آثر رؤاه (٤) ، علا على كل شرف شرف (٥) إليه منتماه ، بل علت به الوهاد على الآكام. محلّ (٦) غدا لبدر الفضائل هالة ، منزل إن نازله وصّاف بالوصف هاله ، قصاراي (٧) القصور ولو كنت ابن أبي هالة (٨) ، وضجّت من طول وصفي الأقلام. لولا شرفه أطرق طرف (٩) الأماكن ، ولولا كرمه لم تكن
__________________
(١) في ط : الأيام.
(٢) القشف : يبس العيش.
(٣) في ت : الله عليه.
(٤) في ط : رآه.
(٥) ليست في بقية النسخ.
(٦) في ط : محلّه.
(٧) في ت : قصارى.
(٨) قال السّهيلي : «أبو هالة : هند بن زرارة ، زوج خديجة قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وابنه اسمه هند أيضا مات بطاعون البصرة ، وكان قد مات في ذلك اليوم نحو من سبعين ألفا فشغل الناس بجنائزهم عن جنازته فلم يوجد من يحملها ، فصاحت نادبته : واهند بن هنداه ، واربيب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلم تبق جنازة إلا تركت ، واحتملت جنازته على أطراف الأصابع إعظاما لربيب رسول الله».
انظر الروض الأنف ٢ / ٢١٦.
(٩) في ت : شرف.