وفرقة بأخلاق أهل الخير تدين ، على ما يتناولهم من أيدي المعتدين ، ويتداولهم من الولاة (١) المفسدين ، كشف الله عنهم تلك البلوى ، وحسم (٢) الدّاء الّذي أذبل نضارتهم وأذوى.
ثمّ سافرنا منها على بلاد القبلة ، وهي بلاد مات فيها العلم وذكره ، حتّى صارت العادة في أكثرها أنّهم لا يتّخذون لأولادهم مؤدّبا ، ولا تسمع في مساجدهم تلاوة ، وإذا طرأ عليهم من يحفظ من (٣) القرآن آجروه على الإمامة (٤) ، ويواظبون على الصّلاة في الجماعة ، إذ لا يحفظ منهم أحد (٥) ما يصلّي به إلّا النّادر ، ولكنّهم في الغاية من حسن الظّنّ بأهل الدّين وقوّة الرّجاء فيهم ، وهم أهل ذمام (٦) واحترام وحماية للجار وإيواء للغريب على ضدّ ما عليه أكثر أهل الغرب.
وفي أكثر بلادهم حصون مجموعة ، وأنهار جارية ، وقلّما تخلو من الحروب والفتن ، وربّما تحارب أهل الموضع الواحد ، فيتقاتلون عامّة النّهار ، فإذا آواهم اللّيل أووا إلى بيوتهم ، لا يهيج (٧) أحد منهم صاحبه ، وربّما تقاتلوا على السّقوف ، وإذا فرغوا نزلوا عنها إلى بيوتهم ، وقد رأيت عندهم في هذا أعجوبة ، وهي أنّ أهل حصن منهم تحاربوا ، فأجمعوا رأيهم على ألّا يتقاتلوا
__________________
(١) في ت : ولايات.
(٢) حسم : أزال.
(٣) ليست في ت و: ط.
(٤) في ت : للإمامة.
(٥) في ت و: ط : أحدهم.
(٦) الذّمام : العهد والأمان والكفالة.
(٧) لا يهيج : لا يثير.