[اجتياز المفازة التي على طريق تلمسان]
ولمّا انتهينا إلى المفازة الّتي في طريق تلمسان وجدنا طريقها منقطعا مخوفا ، لا تسلكه الجموع الوافرة إلّا على حال حذر واستعداد. وتلك المفازة (١) ـ مع قربها ـ من أضرّ بقاع الأرض على المسافر (٢) ؛ لأنّ المجاورين لها من أوضع خلق الله ، وأشدّهم أذاية ، لا يسلم منهم صالح ولا طالح ، ولا يمكن أن يجوز عليهم إلّا مستعد يتفادون من شرّه (٣) ، وطلائعهم أبدا على مرقب لا يخلو منها البتّة ؛ أطلع الله عليهم من الآفات مايسحتهم (٤) جميعا أصلا وفرعا ، ويقطع دابرهم إفرادا وتثنية وجمعا ، حتّى يكونوا آية للمعتبرين ، وعبرة للنّاظرين ، بعزّة الله وقدرته ، وحوله وقوّته.
وكنت حينئذ لا تمكنني الإقامة حتّى أجد صحبة لغرض كان لي ، فأزمعت أن أترك بعض الأصحاب بما كان معنا من النفقة منتظرا للصّحبة ، وأنصرف أنا مخاطرا بما تدعو الحاجة إلى استصحابه. فبينما أنا أوصي من أردت إقامته متنغّصا بهذا الحال وأعرّفه بما يصنع ، إذ وقف علينا جماعة رجال متسلّحين عارفين بالطّرق (٥) ، عازمين على اعتساف (٦) المجهل (٧) ، فاستربت بهم ، ثمّ قوي في نفسي أنّ ذلك لطف من الله تعالى وغوث أتاحه
__________________
(١) المفازة : البرّية القفر المهلكة ، وسميت بذلك تفاؤلا ؛ من الفوز والنجاة.
(٢) في ط : المسافرين.
(٣) في ت : شرّهم.
(٤) يسحتهم : يستأصلهم.
(٥) «عارفين بالطّرق» سقط من ت.
(٦) الاعتساف : ركوب الأمر بلا تدبير ولا رويّة.
(٧) المجهل : الأرض لا يهتدى بها.