الصّلاة والسّلام ، فوقفت في صحن المسجد حيث أرى المنازل ، واستقبلت المحراب فوجدت سمتي إلى الثّريّا (١) ، وهي ذاهبة عن التّوسّط شيئا قليلا ، وأين ذلك من قول الباجيّ؟ وأظنّه لم يعتبر ذلك بالحسّ حين رآه ، وإنّما اعتمد على ما يروى عن ابن عبّاس وغيره أن قبلة المدينة إلى الميزاب ، وذلك يعطي أنّها (٢) إلى المطلع الشّتوي كما تقدّم ، وذلك ما (٣) لا يصحّ بوجه ، ولعلّه لم يثبت عن ابن عبّاس ، وإن ثبت فلعلّه أراد بالميزاب ناحيته ، والجهة الّتي هو فيها لا عين الميزاب والله أعلم. وإذا ثبت بالحسّ أنّها مسامتة للجنوب فهي إذا إلى الرّكن الشّآمي ، وهو على يسار الميزاب مناظرا للرّكن اليمانيّ المحاذي لحقيقة الجنوب كما مرّ ذكره وبيانه ، وبالله التّوفيق.
[الرّحيل من المدينة]
ثمّ رحل الرّكب من المدينة يوم الأربعاء الموفّي ثلاثين لذي حجّة ، راجعا من طريقنا (٤) حتّى قرب من وادي الصّفراء ، فتيامن وخرج من مضيق يعرف بنقب عليّ ، مصوّبا على الدّهناء ، ثم على ينبع مارّا على الطّريق الأوّل إلى عقبة أيلة ، فتيامن منها بعض إلى الشّام ، وصوّب الأكثر إلى مصر. وكان الرّكب الشّآمي رحل من المدينة على طريق المعلّى إلى تبوك (٥) وصحبه أكثر المغاربة حرصا منهم على تقريب المسافة إلى الشّام لأنّها أقرب من طريق
__________________
(١) الثريا : من الكواكب ، سميت لغزارة نوئها ، وهي مجموعة من النجوم.
(٢) في ت وط : أنه.
(٣) في ت : مما لا يصح.
(٤) في ت : طريقه.
(٥) تبوك : موضع بين وادي القرى والشام ، بينه وبين المدينة اثنتا عشرة مرحلة. انظر ياقوت : ٢ / ١٤.