[ذكر الخليل]
ثمّ وصلنا بعد ثمانية أيام إلى المحلّ الأنيس ؛ والمعهد الّذي يتخيرّ فيه مقيل وتعريس ؛ والمنزل الذّي حكم له القدر بالسّعادة حين التّأسيس ، مثوى كلّ خاشع ومنيب (١) ، ومستقرّ كلّ خائف حذر من التّأنيب ، ومناخ كلّ مشتاق يحنّ حنين النّيب (٢) ، حرم الخليل (٣) عليهالسلام ، وهي قرية مليحة المنظر ، أنيقة المسموع والمبصر ، مشرقة كالصّبح إذا أسفر ، موضوعة ببطن واد قليل الماء والشّجر ، والمحيط بها حرار (٤) وعرة ، والمسجد بنيّة أنيقة ، من المباني القديمة الوثيقة ، عالية البناء ، محكمة العمل ، من صخور منحوتة في نهاية العظم. منها صخرة في الرّكن الّذي على يسار القبلة وهي من الأرض على قدر القامة ، فيها سبعة وثلاثون شبرا ، يتعجّب النّاس منها ومن وضعها هنالك ، ويقال : إنّ البنيّة كلّها من صنعة (٥) الجنّ أمرهم سليمان عليهالسلام بتجديدها (٦) على الغار لما دثر ما كان عليه بتقادم الأعصار ، وفيها تحريف عن الجنوب إلى الشّرق ؛ فلما ردّت مسجدا جعل لها (٧) المحراب في الوسط كسائر المساجد تحسينا لصورتها ، ثمّ ردّ الرّكن الأيمن محرابا آخر تنبيها على تشريقها ، وفي داخل المسجد قبر الخليل وإسحاق ويعقوب عليهمالسلام ، وتقابلها من ناحية يسار القبلة ثلاثة أخرى هي قبور أزواجهم ، وكان في
__________________
(١) المنيب : التائب.
(٢) النيب : الناقة المسنّة.
(٣) انظر الأنس الجليل ٢ / ٧٦ ـ ٨٥.
(٤) الحرّة : الأرض الصلبة الغليظة التي ألبستها حجارة سود نخرة.
(٥) في ت : صنع.
(٦) في ت وط : يتجر يدها.
(٧) ليست في ت.