يطبق مفاصل القفار ، وينصلت (١) من المجاهل انصلات المجلّي (٢) من النّقع المثار ، كالسّهم مسدّدا إلى غرض (٣) الفلاة ، والجارح منقضّا على الموماة ، لا يستدلّ بنجم ينظر فيه ، ولا يعرف نعشا ولا بنيه (٤) ، ولا يتّقي أن يسهو مع من سها ، فيذكّره سهيل (٥) أوالسّها (٦). يتبلّد (٧) النّجم فيقف وقفة الحيران ، وربّما عنّ له المسير فناء كالنّشوان ، وهو يشقّ أديم اليهماء (٨) ، كما شقّ البدر حندس (٩) الظّلماء ، تحسده النّجوم فتلاحظه بطرف كليل ، وتقاربه الرّيح فتتنفّس بنفس عليل ؛ حتّى قطع بنا تلك المفاوز ، واكتسينا ـ بحمد الله ـ برود الأمن بعد تلك المعاوز (١٠) ، والحمد لله الذّي كلّت الألسن عن مدى حمده ، حمدا يستنفد مداده (١١) البحر في مدّه.
[ذكر تلمسان]
ثمّ وصلنا إلى مدينة تلمسان ، فوجدناها بلدا حلّت به زمانة (١٢) الزّمان ، وأخلّت به حوادث الحدثان (١٣) ، فلم تبق به علالة (١٤) ، ولا تبصر في أرجائه
__________________
(١) ينصلت : يسرع في الجري.
(٢) المجلّي : الفرس السابق.
(٣) الغرض : الهدف الذي ينصب فيرمى به.
(٤) بنات نعش : سبعة كواكب ، أربعة منها نعش ؛ لأنّها مربعة وثلاثة بنات نعش.
(٥) سهيل : كوكب يمان.
(٦) السّها : كويكب صغير خفيّ الضوء في بنات نعش الكبرى.
(٧) في بقية النسخ : يتبدّل.
(٨) في ت وط : البهماء ، واليهماء : الفلاة ...
(٩) الحندس : الظلمة ، وفي الصّحاح : اللّيل الشديد الظلمة.
(١٠) ـ المعوز : الضيق والشدة والعسر.
(١١) ـ في ط : مداه.
(١٢) ـ الزمانّة : الآفة ، والعاهة.
(١٣) ـ حدثان الدهر : حوادثه ونوبه.
(١٤) ـ العلالة من الشيء : بقيّته.