وعثاء (١) ، وبريّة دويّة قفراء (٢) ، كأنّ سالكها يخوض وحلا ، أو يدافع من رملها المنهال سيلا. ومسافتها ستّة أيام ، كأنّها لفرط العناء أعوام. ولو جمعت إلى وعثها (٣) المعنّي طولا لأعادت كلّ سالك لها بقيد الحمام (٤) معقولا. ولكنّ العزائم تقوى عليها بقرب المسافة ، (٥) مع حصول الأمن بها وانتفاء المخافة ، وذلك أنّ كلّ مرحلة منها منهلة عامرة ، والقوافل بها ليلا ونهارا ، مريحة وسائرة ؛ لا تستدبر ميلا إلّا لقيت له مستقبلا (٦) ، ولا تزمع تحويلا إلّا وجدت إلى وجهتك متحوّلا ؛ فخفّ لذلك عناؤها (٧) وإن لم يخفّ ، وذبل به عود لأوائها وهو من النّضارة يرفّ. وقلّما فارقها سالك ، حتّى عاد (٨) نضوا طليحا (٩) ، ولا ألقى عصا التّسيار بها مسافر ، حتّى صار لقى (١٠) طريحا.
ثم وصلنا إلى الصّالحيّة ، أوّل بلاد مصر ، ولكنّها معدودة في البرّية لضيق أرزاقها وشكاسة أخلاقها ، وإفراط عنائها ، وإضرار هوائها ؛ قرية تقري ضيفها قرّا وطوى ، وتوحشه بأنسها (١١) حتّى يأنس بالذّئب إن عوى (١٢).
__________________
(١) الوعثاء : ما غابت فيه الحوافر والأخفاف من الرمل الدقيق وغيره.
(٢) في ط : عثراء والدّوّيّة : الفلاة الواسعة الأطراف.
(٣) في ت وط : وقتها.
(٤) الحمام : قضاء الموت وقدره.
(٥) في ت : إليها لقرب المسافة.
(٦) في ت وط : مستقيلا.
(٧) في ط : بذلك عناها.
(٨) في ت : حتى يصير ، في ط : إلّا عاد.
(٩) الطليح : من أضمرة الكلال والإعياء.
(١٠) ـ اللقى : هو ما طرح.
(١١) ـ في ت وط : من أنسها.
(١٢) ـ استفاد من قول الأحيمر السعدي اللّص في أشعار اللصوص ١٠٤ :
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى |
|
وصوّت إنسان فكدت أطير |