وهذا القدر هو الّذي يمكن إثباته في صفة هذا القصر ، وهو من جملة المباني الغريبة الّتي لا تتصوّر تصوّرا تامّا إلّا بالمشاهدة ، وليس في داخله عمارة معتبرة ولكنّ العمارة خارجة (١) عنه ، وهنالك ديار وبساتين وجامع مليح ؛ وأهلها ناس صالحون شملتهم بركة الشّيخ الصّالح أبي زيد اللّخميّ ـ رحمهالله ـ وأولاده الآن على طريقته في الدّين والصّلاح وإطعام الطّعام ، نفعهم الله ، ونفع بهم.
[ذكر سوسة]
ثمّ وصلنا إلى مدينة سوسة (٢) ، وهي مدينة مليحة ، برّية ، بحرّية ، حولها بساتين وثمار ، وهي في نفسها متقنة محكمة (٣) العمل ، مؤسّسة بقّوة ، وكلّها صخر منحوت ، وفيها رباط متّسع ، عجيب ، مليح (٤) جدّا ، ينزله الحجّاج والمسافرون ، ولكنّه قد سحب الزّمان على الكلّ ذيل البلى ، ورمى الدّاخل والخارج بسهم التّوى (٥) ، فعادت بعد الصّون برزة مكشوفة ، وصارت محاسنها ممحوّة (٦) مكسوفة ، فخضعت خضوع العزيز إن ذلّ (٧) ، وخشعت [١٢٨ / آ] خشوع الكثير إذا قلّ. ترنو إلى البرّ والبحر بمقلة خائف ، وتحاذر.
__________________
(١) في ت وط : خارجا.
(٢) سوسة : مدينة كبيرة عتيقة بناها الرومان على ساحل البحر المتوسط على بعد ١٠٠ ميل من تونس.
انظر وصف افريقيا ٢ / ٨٣.
(٣) في ت : محكمة متقنة.
(٤) ليست في ط.
(٥) التّوى : الهلاك.
(٦) ليس في ط.
(٧) في ط : ذي عز قد ذل. وقد استفاد من الحديث (ارحموا عزيز قوم ذلّ).