منهما أنواع المتالف ، لا ترى بها زعيم محبر ، ولا فارس دفتر ، قد خرس بها لسان الطّلب ، وعاد لفريق الجهل على فئة العلم الغلب ، فامّحقت بها آثار كلّ فضيلة ، وصيّرها الجهل معرّسه ومقيله ؛ تلاشت قواها فلم يبق بها إلّا رمق ، وكساها الزّمان ثوب الهوان فامّحى رونقها وامّحق ؛ لا تمدّ في الأمن ساعة من الدّهر باعا ؛ ولا تمير فتشبع أهلا جياعا ؛ وجامعها المليح قد علا عليه الشّحوب ، وأبلى حسنه وقائع الخطوب. نازلته وليس له يدان بالدّفاع ؛ فاستكان وأطرق إطراق الشّجاع (١) ، وما عصم من ريب الزّمان فريق ؛ ولا أعصم معتصم (٢) بذروة نيق ، وبالله الاستعانة والتّوفيق.
ثم وصلنا (٣) إلى منزل أبي نصر ، وهي بليدة مسوّرة عامرة غاصّة بالخلق ولكنّها في حكم البادية إذ ليس بها من معاني الحضارة شيء ، وبها سوق كبيرة يكثر إليها الجلب لكثرة العربان هنالك.
ثمّ خطرنا على مدينة الحمّامات ، وهي مدينة صغيرة مبيّضة السّور ، وليس بها ما يذكر لفنائها ، وقلّة عمارتها ، وهي على البحر ، ولم أدخلها لقلّة تشوّفي (٤) إليها ، وما ذكر لي من الضّعف عنها.
[تونس في العودة]
ثمّ وصلنا إلى (٥) مدينة تونس ـ حرسها الله ـ وهي كما مرّ ذكرها ، واستقرّ عند المؤالف والمخالف شكرها. وهي مؤنسة عند اسمها ، ومسعفة
__________________
(١) هذا مثل مأخوذ من قول المتلمس :
وأطرق إطراق الشجاع ، ولو رأى |
|
مسافا لنابيه الشجاع لصمّما |
انظر الميداني ١ / ٤٣١.
(٢) في ط : اعتصم.
(٣) ليست في ط.
(٤) في ت : تشوّقي.
(٥) ليست في ط.