[ذكر الجزائر]
ثمّ وصلنا إلى الجزائر ، وهي مدينة تستوقف بحسنها ناظر النّاظر ، ويقف على جمالها خاطر الخاطر (١) قد حازت مزيّتي البرّ والبحر ، وفضيلتي السّهل والوعر ؛ لها منظر معجب أنيق ، وسور معجز وثيق ، وأبواب محكمة العمل ؛ يسرح الطّرف بها حتّى يملّ ، ولكنّها قد أقفرت من المعنى المطلوب ، كما : [البسيط]
أقفر من أهله ملحوب (٢) |
|
............................. |
فلم يبق بها من هو من أهل العلم محسوب ، ولا شخص إلى فنّ من فنون المعارف منسوب. وقد دخلتها سائلا عن عالم يكشف كربة ، أو أديب يؤنس غربة ، فكأنّي أسأل عن الأبلق العقوق (٣) ، أو أحاول تحصيل بيض الأنوق.
[ذكر بجاية]
ثمّ وصلنا إلى مدينة بجايه (٤) ، مبدأ الاتّفاق (٥) والنّهاية ، وهي مدينة كبيرة ، حصينة شهيرة ، برّية بحريّة ، سنيّة سرية ، وثيقة البنيان ، عجيبة الإتقان ،
__________________
(١) خاطر الأولى : ما يخطر بالذهن من رأي أو أمر أو معنى ، وخاطر الثانية : المتبختر.
(٢) صدر بيت عجزه : «فالقطّبيّات فالذّنوب» وهو مطلع قصيدة عبيد بن الأبرص في ديوانه : ٢٣ ، وملحوب : اسم ماء لبني أسد ، والقطّبيّات : جبل ، والذنوب : موضع في ديار أسد.
(٣) في المثل : «أعزّ من بيض الأنوق ، والأبلق العقوق» ، والعقوق : الحامل من النوق ، والأبلق : من صفات الذكور ؛ فكأنّه قال : طلب الذّكر الحامل انظر الميداني : ٢ / ٤٣ ، والأنوق : طائر تبيض إناثه حيث لا يلحق شيء بيضها. وفي المثل السائر : «كلّفتني بيض الأنوق» يضرب في الرّجل يسأل ما لا يكون وما لا يقدر عليه انظر الميداني ٢ / ٤٤ ، وثمار القلوب ٤٩٤.
(٤) بجاية : مدينة على ساحل البحر بين إفريقية والمغرب ، في الجزائر اليوم ؛ وأوّل من اختطّها الناصر ابن علناس بن حماد بن زيري بن مناد بن بلكين في حدود ٤٥٧ ه وتسمى «الناصرية» أيضا باسم مختطّها انظر وصف إفريقيا : ٢ / ٥٠ وما كتبه محقّق كتاب «عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية» الأستاذ رابح بونار في مقدّمة تحقيقه للكتاب المذكور ، صفحة ٣ ـ ١١.
(٥) في ط : الإتقان.