رفيعة المباني ، غريبة المعاني ، موضوعة في سفح جبل وعر ، مقطوعة بنهر وبحر ، مشرفة عليهما إشراف الطّليعة ، متحصّنة بهما منيعة ؛ فلا مطمع (١) فيها لمحارب ، ولا متّسع بها لطاعن وضارب ؛ ولها جامع عجيب ، منفرد في حسنه غريب ، من الجوامع المشهورة ، الموصوفة المذكورة ، وهو مشرف على برّها وبحرها [١٥ / آ] وموضوع بين سحرها ونحرها (٢) ؛ فهو غاية في الفرجة والأنس ، ينشرح الصّدر لرؤيته وترتاح النّفس ؛ وأهلها يواظبون على الصّلاة فيه مواظبة رعاية ، ولهم في القيام به تهمّم وعناية ، فهو بهم مأهول عامر ، يتخلّل أنسه مسلك الأرواح ويخامر.
وهذا البلد بقيّة قواعد الإسلام ، ومحلّ جلّة (٣) من العلماء أعلام ؛ وله مع حسن المنظر طيب المخبر ، ومع المرأى الرّائق المعنى الفائق ، ومن الحصانة ووثاقة البنيان ما أزرى بإرم وغمدان (٤) ؛ ولأهله من حسن الخلق والأخلاق ، ما أنبأ عن طيب الهواء والماء ، والتّربة والأعراق ؛ غير أنّه قد اعتراه من الغير ، ما شمل في هذا الأوان البدو والحضر ؛ وقد غاض بحر العلم الّذي كان به حتّى عاد وشلا (٥) ، وعفا رسمه حتّى صار طللا ؛ وبه آحاد من طلبة العلم قد اقتصروا على مطالعة الصّحف والدّفاتر ، وسلكوا في ترك تصحيح الرّواية طريقا لم يرضه الأعلام الأكابر.
__________________
(١) في ط : طمع.
(٢) سحر كلّ شيء : طرفه ، ونحره : أوله.
(٣) في ط : حلّه.
(٤) غمدان : قصر معروف باليمن.
(٥) الوشل : الماء القليل.