أحمد بن محمّد ابن أحمد بن السّرّاج سماعا عليه [١٦ / آ] بقراءة الشّيخ العالم أبي عبد الله القضاعي ، عن أبي القاسم بن بشكوال بسنده فيها إلى كميل «قال : أخذ عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبّانة (١) ، فلمّا أصحر (٢) تنفّس الصّعداء ، ثمّ قال : يا كميل! إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير ؛ يا كميل! احفظ عنّي ما أقول : النّاس ثلاثة : عالم ربّاني ؛ ومتعلّم على سبيل نجاة ؛ وهمج رعاع ، لكّل ناعق أتباع يميلون مع كلّ ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ؛ يا كميل! العلم خير من المال ، العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النّفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ؛ يا كميل! محبّة العالم (٣) دين يدان به ، يكسبه الطّاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد وفاته ، ومنفعة المال تزول بزواله ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه ؛ يا كميل! مات خزّان المال ، والعلماء باقون ما بقي الدّهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القّلوب موجودة. ثمّ قال ، ها إنّ هاهنا علما ـ وأشار إلى صدره ـ لو أصبت له حملة! بلى ، أصبت لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدّين في طلب الدّنيا ، ويستظهر بحجج الله على أوليائه ، وبنعم الله على معاصيه ، أو منقادا لحملة العلم لا بصيرة له في أنحائه ، يقدح الشّكّ في قلبه بأوّل عارض من شبهة ؛ ألا لا ذا ولا ذاك ؛ فمن هو منهوم باللّذّات ، سلس القياد إلى الشّهوات ، مغرم بالجمع والادّخار ، وليس من دعاة الدّين أقرب
__________________
(١) في بقية النسخ : الجبّان. والجبّان والجبّانة بالتشديد : الصحراء ، وتسمى بها المقابر ، لأنها تكون في الصحراء ، تسمية للشيء بموضعه.
(٢) أصحر الرجل : خرج إلى الصحراء.
(٣) في ت : العلماء ، وفي نهج البلاغة : العلم.